كتاب الموقعكلمة في الزحام

رؤوس وأقدام وأفكار …

رؤوس وأقدام وأفكار … كرّمت العقائد والثقافات القديمة الرأس عبر مختلف أنواع الأغطية ذات الدّلالات المتعدّدة والمتعمّدة .

لكلّ فكرة لون وشكل وطريقة في الارتداء، أمّا الأسفل فللأحذية التي ميّزت وحدها بعض البشر عن عالم الطير والدواب .

يمكن أن تخرج من دون غطاء رأس ولكن، هل يمكنك الخروج دون حذاء؟ إنه ” البنية التحتيّة ” لكل كائن بشري قد تأتيه الحكمة وهو يمشي … إلاّ إذا استثنينا “بشر الحافي” (الشخصيّة التراثيّة المثيرة للجدل)، أو «أوديب» سوفوكلس الإغريقي صاحب الساق الدامية ..وكذلك بعض رهبان الهندوس . لماذا يحتقر الناس الأحذية إذن في البلاد العربيّة، يهدّدون مخاصمهم برشقها فوق رأسه أو دهسه تحتها للدلالة على الإهانة والتحقير، في حين ينزع الفرنجة قبعاتهم في العتبات وتحت السقوف وعند التحيّة.. ولا يخلعون أحذيتهم فوق السجّاد، بل ولا يجد بعضهم حرجاً في رفعها أمام محدّثهم أثناء الجلوس .

لماذا يقول العامّة: «فلان يملأ مركزه أو كرسيّه »، ولا يقولون: «فلان يملأ حذاءه»؟.. .

ألا يشبه المارّة في أحايين كثيرة أشجاراً متحرّكة وتنبت من أحذيتها كلّ صباح؟.

هكذا ـ وبعيداً عن القيمة الاستعمالية في بعدها الأول ـ وُجد الحذاء كي يفصل بيننا وبين الأرض ، ووُجد غطاء الرأس كي يفصل بيننا وبين السماء، الأوّل لعدم الوضاعة والثاني لضرورة التواضع… عبارة قالها لي جدّي الصوفيّ الورع وأنا طفل صغير.

ما أجمل التواضع والإجلال والتقدير في مقولة يوحنّا المعمدان في بيت (عنبيّا)عند نهر الأردن :”أنا أعمّد بالماء ولكنّ بيننا من لا تعرفونه، وأنا لا أستحقّ أن أحلّ رباط حذائه “..إنه المسيح المخلّص الذي صلب حافياً وعلى رأسه تاج من شوك .

تذكّرت صديقي الشاعر المصري المشاكس ” جرجس شكري ” في ديوانه المعنون “هكذا بلا مقابل أسقط أسفل حذائي”، وكيف أنّ بعضهم قد استهجن العنوان فهاجموه قبل قراءة الكتاب.

حديث الأحذية لا ينتهي، من فردة حذاء «سندريلاّ» إلى «أبي القاسم الطنبوري» إلى خفّي «حنين» وقصّته مع الأعرابي المغفّل، حتّى صارت العودة بخفّيه كناية على خيبة المسعى.

خلاصة القول أنّ السلوك الإنساني هو الذي يصعد بالأكسسوارات البشرية ويصنع رمزيتها نحو المجد والخلود أو ينزل بها نحو الدرك الأسفل والعياذ بالله …فكم سمت جزمة مقاتل شجاع شريف على عمامة خائن عميل .

أكتب هذه السطور وأنا أنظر إلى فردتيّ حذاء طفلتي، ترى كم من الأرصفة والمحطّات والأدراج والدروب الوعرة تنتظر هاتين القدمين الصغيرتين؟

كلمة في الزحام ..راقصت الأميرة سندريلاّ عسكريّاً عريض المنكبين متلألئ النياشين، وعند دنوّ ساعة الصفر، التحق العسكريّ بقطعته ناسياً فردة حذاءه … وعند الصباح حمل الحرس جزمة العسكري يبحثون عن صاحب مقاسها في الأسواق …كلّما سألوا أحدهم، ذعر وتلمّس رقبته.

 

بوابة الشرق الاوسط الجديدة 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى