نوافذ

رسالةٌ إلى سُكّان الجبل

اليمامة كوسى

هناك في الأعالي حيثُ تحلّق النّسور؛ وقريباً من المكان الذي تبزغُ منه الشمس؛ يقف الجبلُ بعنفوانه اللا محدود كما لو أنّهُ يحمل السماءَ بأكملها فوق كتفيه من دون أن يتعب.

تلك هي صورة الجبل التي يراها كلّ مَن هم في السّهل، ولكن ماذا عن ساكني الجبل؟ ألا يبدو الجبلُ في نظرهم أقلّ وضوحاً وهيبةً؟!

هناك قصة جميلةٌ تقول بأن رجلاً أراد أن يبيع منزلهُ، فذهب إلى أحد أصدقائه وهو خبير في بيع العقارات وطلب منه بأن يساعده في كتابة إعلان للبيع، ولأن هذا الصديق يعرف المنزل جيّداً كتب عنه وصفاً مفصّلاً أشاد فيه بالموقع الجميل والمساحة الكبيرة والتصميم الهندسي البديع، ثم أخذ يتحدّث عن الإطلالة والحديقة والمرافق وعن كلّ جزء من ذلك المنزل على حدة، ثم قرأ كلمات الإعلان على صاحب المنزل الذي وقف مصغياً إليه باهتمام شديد.

وقال حينما فرغ الصديق من كلامه: يا له من منزل رائع! لقد كنت طول عمري أحلم باقتناء منزل كهذا، ولم أكن أعلم بأنني أعيش فيه إلى أن سمعتك تصفه.

وأقفل حديثه بابتسامةٍ عريضة أتبعها بقوله: لا تنشر الإعلان؛ فمنزلي غير معروض للبيع!!

هكذا نحن البشر؛ ننسى في غمرة حياتنا أن نقف لبرهةٍ وننظر إلى أنفسنا بتمعّن، ننسى أن نتأمّل الأشياء الجميلة التي نمتلكها والنعم الكثيرة المغدقة علينا، ننسى كلّ ذلك وننصرف عنها لنفكّر فيما ينقصنا ولماذا ينقصنا وإلى متى سيظلّ ينقصنا!

فنملأ حياتنا بالشكوى والتذمّر من كلّ شيء فينا، ومن كلّ شيء حولنا.

حبّذا لو يرى سُكّان الجبل الصورة الكاملة لجبلهم بعيونِ ساكني السّهل، وسيعلمون عندها كم أنَّ جبلُهمْ بهيٌّ وراسخ!

جميلٌ أن يبحث المرء عن نقاط ضعفه فيحدّدها ويسعى إلى تقويتها من خلال تطوير نفسه وتوجيهها نحو الأفضل..

وجميلٌ أيضاً أن يعرف مشاكلهُ واحتياجاته ويسعى إلى حلّها وسدّ كل الثغرات التي تنتج عنها..

ولكن هذا لا يعني أن يقوم بكل ذلك والسلبيةُ تجتاح حياته فلا يرى من الورود سوى أشواكها، ومن الشتاءِ سوى عواصفه، بل علينا أن نرى الجمال  في كلّ ما حولنا وذلك ابتداء من رؤيته في صورتنا في المرآة ونحن ننظر إليها صباحاً.

لكلّ منّا همومه، عيوبه، نقائصه، مخاوفه ولكن لا شكّ كلّ منّا لديه أيضاً ما يجب أن يشكر اللّه عليه كلّ ليلة، وكما يقول المثل الانكليزي: بينما أنتَ مستاء وتشعر بالضعف ؛ هناك مَن ينظر إليك بإعجاب ويعتبرك مثالاً في القوّة.

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

 

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على الفيسبوك

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على التويتر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى