تحليلات سياسيةسلايد

رسالة “الجنرال” محمد الضيف الصوتيّة الثانية.. هل جاءت إعلانًا للنّفير والتمرّد على تواطُؤ وخيانة بعض الأنظمة العربيّة والإسلاميّة؟

عبد الباري عطوان

تتزامن الرّسائل الصوتيّة للمُجاهد محمد الضيف قائد كتائب “القسّام” الجهاز العسكري لحركة “حماس” بإعلان الحُروب على دولة الاحتلال، وتحقيق الانتصارات في ميادين القتال، وجاءت رسالته الثانية التي بثّها الإعلام العسكريّ مساء أمس    الأربعاء في اليوم الـ173 من معركة “طوفان الأقصى”، لتَصُبّ في الهدفِ نفسه، ودعوة الشّعوب العربيّة والإسلاميّة للنّفير والتحرّك “اليوم وليس غدًا” زحفًا إلى حُدود فِلسطين المُحتلّة للقيام بفريضة الجِهاد والمُشاركة في تحرير المسجد الأقصى، وحِمايته من الاقتِحامِ والتّهويد.

رسائل الجنرال الضيف لا تأتي من قبيل الصّدفة، ولا بهدف إثبات الوجود الإعلامي أو سعيًا للأضواء، فالرّجل لا تنطبق عليه هذه المُواصفات، لتواضعه، وزُهده بالأضواء، وعدم وجود أيّ صُورةٍ له، جامدة أو مُتحرّكة، تُؤكّد هذه الحقائق، فالرّسالة الصوتيّة التي أطلقها في اليوم الأوّل لحرب سيف القدس وأعلن فيها إطلاق الصّواريخ على القدس وتل أبيب ومُدُنٍ إسرائيليّة مُحتلّة أُخرى، وحدّد الموعد بالدّقيقة والسّاعة في 10 أيّار (مايو) عام 2021، كانت تأكيدًا على تبنّي مُعادلةٍ سياسيّةٍ وعسكريّةٍ راسخة، عناوينها تقول إنّ المُقاومة الإسلاميّة تقول وتفعل، وإنّ اقتِحام الأقصى من قِبَل المُستوطنين “خطٌّ أحمر” سيتمّ التصدّي لهُ بجُرأةٍ وشجاعة، والشّيء نفسه يُقال عن الرّسالة التي أعلن فيها يوم السّابع من تشرين الأوّل (أكتوبر) عام 2023 انطلاق حرب “طُوفان الأقصى” التي غيّرت كُل قواعد الاشتباك، وأرخَت لبداية الانهِيار للمشروع الصّهيوني، وتثبيت سابقة نقل الحرب إلى عُمُقِ الكيان للمرّة الأولى مُنذ قيامه قبل 75 عامًا.

رسائل الجنرال الضيف الصوتيّة قليلة الكلمات، ولكنّها تُصيب قلب الهدف، وتصل إلى قُلوب المُؤمنين مُباشرةً دُونَ تمهيد، الأمر الذي يجعلها مُؤثّرةً تُحقّق الهدف المقصود وهو التّعبئة والتّحشيد خلف المُقاومة واستراتيجيّة المُواجهة، وتجاوز قهر الأنظمة، والنّزول إلى ميادين المُواجهة المُزدوجة مع الاحتِلال والأنظمة الرّاكعة له وإملاءات “العم” الأمريكي.

توقيت الرّسالة الصوتيّة التي بُثّت يوم أمس، أي مع بدء الأيّام العشرة الأواخِر من شهر رمضان المُبارك، شهر التّضحية والفِداء، جاء مدروسًا ومحسوبًا، وجرى اختِيارهُ بعنايةٍ فائقة، بحيثُ يتزامن مع ليلة القدر، وللتّأكيد مُجَدَّدًا على صُمود المُقاومة للشّهر السّادس على التّوالي في مُواجهة واحدٍ من أقوى الجُيوش وأحدثها تسليحًا في العالم، وهزيمته في العديد من جبهات المُواجهة في ميدان (قطاع غزة) لا تزيد مِساحته عن 150 ميلًا مُربّعًا، لا تُوجد فيه غابات ولا جبال، ولا أيّ سواترٍ طبيعيّة، وهُنا يكمن الإعجاز الحقيقيّ.

لا نقول هذا الكلام من موقع المُبالغة أو الدّعاية، وإنّما استنادًا إلى وقائعٍ على الأرض جاء مُعظمها إمّا من بيانات الكيان وإعلامه، أو على لِسانِ جِنرالاته، أو من مصادرٍ مُحايدة، ونُوجزها في النقاط التالية:

أوّلًا: زادت خسائر الجيش الإسرائيلي إلى أكثر من 50 ألف قتيل وجريح حتّى الآن حسب التّقديرات شِبه المُؤكّدة، ومن بينهم إعاقة دائمة، وربّما الرّقم الحقيقيّ أكثر من ذلك لأنّ الرّقابة العسكريّة تمنع نشر أيّ معلوماتٍ في هذا المِضمار.

ثانيًا: الجيش الإسرائيلي يعيش حالة انهِيار، ولولا الجسر الجوّي الأمريكي لنقل الذّخائر والمعدّات الثّقيلة (500 رحلة جويّة و140 سفينة مُحمّلة بآلافِ الأطنانِ من الأسلحة) لما صَمَدَ حتّى الآن.

ثالثًا: تُقدّر مصادر إسرائيليّة حجم تكلفة هذه الحرب بأكثر من 75 مِليار دولار حتّى الآن، يعود مُعظمها إلى الأزمة الماليّة، وإفلاس العديد من الشّركات، وهُروب رُؤوس الأموال، وانعدام السّياحة، وإغلاق العديد من المصانع والمُؤسّسات بسبب استِدعاء أكثر من 350 ألفًا من قوّات الاحتِياط.

رابعًا: إجلاء أكثر من مئتيّ ألف شخص من شِمال فِلسطين المُحتلّة (الجليل)، أو جنوبها (مُستوطنات غلاف غزة) هُروبًا من القذائف والصّواريخ هربًا من ضربات المُقاومة.

خامسًا: العُزلة السياسيّة والأخلاقيّة لدولة الاحتِلال، وتصاعد الكراهية لها في مُختلف أنحاء العالم باعتِبارها دولة ترتكب جرائم التّطهير العِرقي والإبادة الجماعيّة، وتدمير المُستشفيات، وقتل الأطفال، وتستخدم سِلاح التّجويع للمدنيين، وتمنع وصول الأدوية والمعدّات الطبّيّة والمُساعدات الغذائيّة.

سادسًا: توسّع دائرة الحرب، ودُخول أذرع المُقاومة نُصرةً لأبناء القطاع ومُقاومته، فها هي المُقاومة الإسلاميّة تخوض حرب استِنزافٍ ضدّ الاحتِلال انطِلاقًا من جنوب لبنان، ونظيرتها في العِراق دخلت الميدان بقصفِ حيفا وتل أبيب، وقواعد جويّة في الجولان، أمّا الحِصار البحَري الذي فرضته القوّات اليمنيّة طِوال الأشهُر الخمسة الماضية في البحر الأحمر، وباب المندب، وبحر العرب، والمُحيط الهندي، وقصف إيلات، فحدّث ولا حرَجْ.

التّجاوب مع رسالة المُجاهد زعيم “كتائب القسّام” من قِبَل الملايين في العالمين العربيّ والإسلاميّ، نتوقّع أنه سيكون إيجابيًّا، فهذا الرّجل، ورئيسه السنوار، يحظيان باحترامٍ كبير، ومِصداقيّةٍ عالية، وكذلك المُقاومة التي يقودانها، ومِقياسُنا تجاوب عشَرات الآلاف من نشامى الأردن مع نِداء “أبو عبيدة” النّاطق الرّسمي باسم الكتائب، وتدفّقهم لمُحاصرة السّفارة الإسرائيليّة في عمّان في تَحَدٍّ للطّوق الأمنيّ الضّخم الحامِي لها.

حركات المُقاومة الإسلاميّة في قطاع غزة أفشلت كُل المُخطّطات الإسرائيليّة الإرهابيّة للضّغط عليها للاستِسلام والإفراج عن الرّهائن، وتمسّكت بشُروطها كاملة، وأكّدت بصُمودها، وصواريخها، إنّها باقيةٌ وتزداد قُوّةً، وتُثبِت حقيقة تقول بأنّه كلّما طال أمَدُ الحرب كلّما اقترب النّصر النهائي وهزيمة الاحتلال الكُبرى.

ثلاث رسائل للجنرال الضيف (الأولى في معركة سيف القدس) هزّت الكيان الصّهيوني وأرعبته، وأرخَتْ لملحمةٍ جهاديّةٍ مُشرّفة، ونحنُ في انتظارِ الرّسالة الصوتيّة الرّابعة التي لا نستبعد أن تكون إعلانًا للنّصر.. والأيّام بيننا.

 

صحيفة رأي اليوم الالكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى