بين قوسين

سنسامح ولكن لن ننسى !

جولي الياس خوري

في بدايات الحرب في سوريا حضرت في بيروت تدريب حول ” الحرب وبناءالسلام ” كان من أروع التدريبات التي  حضرتها على مدى عدة ايام . امثلة وقصص وتجارب كثيرة وعبر وحكم عن الحرب اللبنانية وكيف تمكن اللبنان من النهوض ومحاولةالتعافي والحياة من جديد ..

والى الآن وبعد مضي اكثر من ١٠ سنوات على هذا اللقاء ، ما زالت الفكرة الاساسية التي طرحناها وعملنا عليها مؤثرة في .. تدغدغني .. وأرددها ..

الفكرة التي  اشتغل عليها نشطاء المجتمع المدني في لبنان في ذلك الوقت ، لاعادة بناء المجتمع اللبناني المهمش والمدمر من الحرب الأهلية الكارثية .. و لتضميد جروح الناس التي انهكتها واستهلكتها هذه الحرب الملعونة ،  والسعي بجد لايجاد حل قد يهدئ النفوس ويلقى القبول عند  جميع  الأطراف المتنازعة والمقاتلة والتي دفعت أقسى الاثمان من شبابها وناسها ومستقبلها وأرزاقها ..

” سنسامح ولكن لن ننسى  ”

جملة وقفت عندها كتير وحاولت أن افهمها اعيشها  واستوعبها .. كم هو صعب هذا الكلام  ..

كلنا نعلم  مجازر هذه الحرب  وقسوتها  وكيف قتل الاخ اخاه .. و الجار قتل وأذى وسرق  جاره .. والحقد والكره وصل لأعلى درجات الرغبة المستعرة بالانتقام والغاء الآخر وتدميره .

ماذا يعني ” أسامح ولكن لن أنسى … ” . كيف يمكننا أن  نسامح شخصا آذانا ودمرنا وخرب بيتنا  وقتل اهلنا وطموحنا ومستقبلنا واحلامنا  …

كلام  كبير … ومثالي وصعب جدا .

كيف ..؟؟؟ كيف ؟؟؟؟ فكان تفسير المحاضر ببساطة: انا بدي سامح كرمالي حتى أتمكن من تقبل فكرة أنه يمكنني  أن أعيش مجددا مع هذا الشخص  واقبل وجوده  في الحياة لاني أتشارك معه  البلد و الحارة والعمل والأرض والسكن …

في الحرب الجميع  يرتكب الأخطاء ولو بنسب مختلفة. أنا أحاسب المجرم و أحاكمه  وأقاصصه .. لكن في الحرب الاهلية الناس كلها تقاتل بعضها … الكل يحمل السلاح ويقتل الكل .. من سأحاسب وأحاكم .. ؟؟؟ الكل ؟؟؟؟ لن يبقى احد ليعيش و يبني ويكمل اعمار هذه البلد معي ..

لذلك خرجنا بشعار  انا أريد أن اعرف الحقيقة وأحاسب المجرمين .. لن أغض النظر واتعامى .. وأنسى حتى لا أكرر نفس الاغلاط  …

لذلك ” بدنا نسامح لحتى نقدر نعيش” .. ولكن  لن ننسى حتى لا نعود و نكرر الغلط …

بعد ١٠ ‏سنوات ، استحضر هذه العبارة العميقة والمهمة ، والتي تختصر كل العلاقات الإنسانية،  ورغبة الحياة ، وأعاده الأعمار

‏كم هي بسيطة وكم صعبه التحقيق ،  وكم نحتاجها اليوم لكي نستطيع أن نعيش معا.

 

بوابة الشرق الاوسط الجديدة

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى