شعوب عظيمة ومسرح تافه
شعوب عظيمة ومسرح تافه…أول ما يجب أن يتعلّمه السياسيون هو التمثيل , وآخر ما يمكن أن يتقنه المسرحيون هو السياسة .
مازال يخدعنا الربيع بمكر زهوره المفخخة وأثر فراشاته المتردّدة , كشهر مدجّج بالاحتفاليات المزعومة و الاعترافات المتأخرة …أسوأ الاعترافات و أصدقها هي تلك التي تأتي متأخرة .
ننحني هنيهة بإجلال وتكبير للمرأة والأم والمعلّم و المنكوب و السجين والمحاصر والمظلوم والمهجّر و المثقف و الشاعر و المسرحي …ثم نتنحّى جانبا متفرجين على انحناءاتهم في كل لحظة ننقضّ فيها عليهم .
كثيرون هم الذين لا ينتبهون إلى ما خلف الاحتفاليات كفعل تطهيري يخفي النوايا العدوانية المبيّتة و الرغبات الدفينة في الانتقام ممن نحتفل بهم و نعلنهم ملوكا وعرّابين بتيجان من ورق و عروش كالتوابيت …وصولجانات كالفؤوس وهي تحفر قبورهم .
كثيرون هم الذين لا يودّون الاعتراف بعطشهم الدائم للدماء و حنينهم السرمدي للفواجع والفواحش والخيانات والخطايا فيهبّون فرادى وجماعات لمدارج الفرجة و جحافل المشيّعين والندّابين والمعزّين لإعلان النجاة وهم يهمسون لأنفسهم ” ها نحن نمشي في الجنازة وليس مسجّين ولا محمولين , ها نحن متفرجين وليس مقتولين ولا حتى قاتلين , ها نحن أصحّاء وليس نازفين كهذا الثور أو ذاك المقاتل الروماني على الحلبة …ها نحن نصحو صباحا ولسنا سوريين أو فلسطينيين أو عراقيين أو بشرا يحسّون أكثر ممّا يجب “…!.
الاحتفاليات التي عرفتها كل شعوب الأرض هي طقس مسرحي بامتياز , بل منها و إليها قد عاد وخرج رابع الفنون و المستحيلات الممكنة و الجميلة و القاسية …لكنها فن تشخيص كل ما أردنا نسيانه فنعيد تذكّره بقوّة ..هذا هو الإنسان المؤسس للنسيان و الممثل الشرعي الوحيد لقانون الوحدة و التناقض …وقد انطوى فيه العالم الأكبر .
يصفّق الجمهور بنهم أو فتور لممثل على ما لم يرتكبه و للسياسي على كل ما ارتكبه وينوي ارتكابه وركوبه .
ينزع المسرحي قناعه و أكسسواراته في الكواليس ثم يمضي عائدا إلى وجهه وبيته و أحلامه الصغيرة , بينما يمضي السياسي بقناع تحت الجلد و ربطة عنق تلازمه حتى في مناماته الفاحشة …وقد يخلعها في حملاته الانتخابية .
يا معشر ” الجدار الرابع ” من أهل الفن الرابع , ألا لا يدّعينّ واحد منكم براءته من ورطة التفرّج على مسرحي يكذب بصدق أو سياسي يصدق في فن الكذب.
مزوّرة و مضلّلة هي كل لافتة كتب عليها ” مسرح” و لا نقلبها نحو الخارج ..إنّ الممثّلين هم الجمهور الشاهد و الوحيد على هذه الكوميديا البشرية المزمنة …و مع ذلك لا يصفّق أبدا لأن العرض لا ينتهي إلاّ بوفاته .
أروع المسرحيين هم أولئك الذين سوف يقومون من توابيتهم يوما ويصفّقون لجمهور مشيّعيهم ثم يوارون الثرى والسؤال …وينامون كفراشة في الصيف.
بوابة الشرق الاوسط الجديدة