كلمة في الزحام

عادل محمود أو الغليون الطائر

(إلى روح عادل محمود الجميل}

أغلب الظنّ أنّه ولد بهذه الهيئة وهذا الغليون وهذه الطيبة الغاضبة  وهذا الشيب في القلب والشعر واللسان.

تعبت  في  تدجينه  المدن والنساء  والمؤسّسات وفشلت في ابتلاعه الكتب والأفكار وظلّ يركض وراء قنص لا يصاد( فإن صيد مات),يركض   كصيّاد من العصر  الطبشوري  وخطواته تجرّها أقدام الطريدة.

غريب أمر هذا الرجل ,مازال يتقن الدهشة والإدهاش وتتحاور في قلمه وفي عينيه جميع الأجيال ولم يجرّب الكذب ولو مرّة واحدة…ولو على نفسه.

قصيدته سرب من ربّات الحجال, حرّة وعصيّة عن بنادق النقد وغير مبالية بها.

مقالته توقفك وتشدّك إليها مثل بائع متجوّل ماهر محترف  وصاحب سمعة في سوق تكتظّ بالبوتيكات ّالملمّعة والمزوّرة.

روايته هذه لمحتها البارحة على طاولة في دار أحد الشعراء  بين صحون السجائر فاقتنصت سطورا منها ولكنّ صاحب الدار افتكّها من يدي واستعجلني في افتكاك  رأيي بقصيدته الجديدة مثل العادة..

سوف نقرأ بالتأكيد رواية تقرأنا جميعا وإلى الأبد ,ألم يقل عبدالله العروي :إذا كان التاريخ رواية وقائع فإنّ الرواية تاريخ متوقّع.

لقد اتجه شعراء كثيرون إلى كتابة الرواية لأنّهم ببساطة شعراء أمّا الذين دخلوا الرواية دون أن يطرقوا باب الشعر فإنّهم- بالبساطة ذاتها- ليسوا شعراء.

عادل محمود رجل يأتيه التكريم والاعتراف وهو في المقهى يدخّن غليونه أمّا آخرون فيجرّبون مئات الغلايين والمقاهي والتجارب بحثا عن الجوائز و الاعترافات فلا يجدونها.

نسيت شيئا..سألني عنه خنزير برّي فشل في اصطياده بجبال( طبرقة) و(عين دراهم )في تونس  وقال لي اقرأه السلام وقل له أنا في انتظارك مرّة أخرى).

كان هذا نصّ الكلمة التي ألقيتها في حفل توقيع رواية الصديق الشاعر عادل محمود منذ ما يقارب العام في محاولة لرسم بورتريه بالأبيض والأسود لرجل صنعته ألوان كثيرة ولم يتلوّن يوما.

التقيت بعادل ذات مساء موحش وثقيل  ,سألني :ماذا تفعل؟ظننت أنّه يسألني عن الكتابة فقلت:لاشيء ..آكل الطعام وأمشي في الأسواق,كما ترى ,مكتئب,أحاول أن أحيا ,أحتسي الحياة رغم مرارتها.

قال:برافو.. إنّك تعيش الحياة,تخيّل نفسك مؤلّفا لعشرات الكتب في وقت قياسيّ كما يفعل بعض الكتبة   ..هذا يعني أنّك تكتب ولا تقرأ ,تتكلّم ولا تسمع,تنام ولا تسهر ,تلهو ولا تلعب ,تحب ولا تشتاق,تشتاق ولا تعاني..

نعم صدقت يا عادل ,كم هو نافع وجميل أن يترك الواحد لنفسه وقتا لمتعة الكسل والملل والقلق والشرود,أن يترك وقتا للوقت كي يقول كلمته لمن يلهث وراءه ويحاول أن يسابقه .

أعترف لك الليلة أنّي قد عملت بنصيحتك ,بحثت عن هذه الكلمة التي لم تنشر,ذيّلتها بتعليق ثمّ استسلمت لمتعة الكسل.

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى