عامر طهبوب في روايته الثالثة: (عائدة إلى أثينا.. 2020)

 

أصدر الروائي الفلسطيني عامر طهبوب، روايته الجديدة الثالثة (عائدة إلى أثينا)، بعد روايتيه: (في حضرة إبراهيم، 2018)، و(أوراق هارون، 2019). وعن الرواية الجديدة، يقول الدكتور فيصل درّاج ما يلي: (يستأنف عامر طهبوب في روايته الجديدة (عائدة إلى أثينا)، اقتراحه الروائي الرائد في (أوراق هارون)، الذي وحَّد بين المتخيل والتوثيق الروائي، عاد مرة أخرى إلى نكبة 1948 المفتوحة على الشتات، استذكر تفاصيل الأوجاع، ووجوه الوطن الجميل الذي كان، وواجه مخيمات اللجوء ومتاهة المنفى ببطولة البقاء.

 وقد جاء طهبوب برواية تستدعي الفرح وتحتفي بفلسطينيين تعترف بهم الحياة وهم يدافعون عنها. فهو يوسّع أفق الرواية الفلسطينية، ويدفع إلى قراءة مغايرة لتاريخ محاصر لا يكف عن التجدد).

وفيما يلي، نختار مقطعاً من رواية (عائدة إلى أثينا):

(عُدتُ من الصلاة بعد أن تناولت الغداء مع أيمن في أحد المطاعم القريبة من بيتنا. أعدّ لي كوباً من الشاي. سارعت إلى غرفتي كالعادة لأغفو قليلاً، إلا أنني غرقت في نوم عميق مليء بأحلام أخذت أسترجعها بعد أن أفقت. وجدت نفسي في المنام أجلس في مقهى فلسطين مع (عز الدين المناصرة) الشاعر الفلسطيني، و(راعي الجفرا) كما يلقب، (أحمد عزيز علي حسن)، يوم زار المناصرة المخيم للقاء طليق جفرا بعد أن أحيا عز الدين أمسية شعرية أيام حصار بيروت في مخيم عين الحلوة

 وألقى قصيدة في رثاء محبوبته جفرا إسماعيل النابلسي: (جفرا أمي إن غابت أمي)، التي استشهدت في قصف إسرائيلي على بيروت استعدت من ذاكرتي بعض أبياتها:

من لم يعرف جفرا فليدفن رأسه

من لم يعشق جفرا فليشنق نفسه

فليشرب كأس السُّم الهاري

يذوي، يهوي، ويموت

جفرا جاءت لزيارة بيروت

هل قتلوا جفرا عند الحاجز

هل صلبوها في التابوت

وأنا لعيونك يا جفرا سأغني

جفرا أمي إن غابت أمي

أخذت أتذكر عندما التقى الحبيبان في مقهى فلسطين، حيث كنت أجلس بصحبة صديقي (عاد). التقى عاشق جفرا التراثية أحمد عزيز علي حسن، وعاشق جفرا الشهيدة. جفرا التراث كانت ما زالت تعيش تلك الأيام في حارة حريك مع زوجها الثاني. القصة في الأصل وقعت عام 1939.

(رفيقة نايف حمادة الحسن) تزوجت في فلسطين من ابن عمها أحمد، لكنها هربت من بيته بعد أسبوع من الزواج لأن قلبها معلق بابن خالتها (محمد إبراهيم العبدالله). تزوجته لاحقاً، لكن رواية أخرى قد تكون هي الأكثر صحة، هي أنها هربت من بيت زوجها في الليلة الأولى من زفافها بعد أن أشبعها زوجها أحمد ضرباً، يقال إنه فعل ذلك من شدة حبه لها. أي حب هذا الذي يجعل الرجل يضرب زوجته التي يحبها ضرباً مبرحاً إلى درجة قيل إن آثار ضربه لها شكّل ندبة على جسدها حتى لاقتها المنية بعد أعوام طويلة.

قيل، والله أعلم مدى صدق الرواية، إن معتقداً تراثياً لا بد أن يكون بالياً هو ما كان يدفع الرجل إلى ضرب زوجته في الليلة الأولى حتى يقطع (رأس البس من أول ليلة). لكن أحمد لم يقطع رأس الهرة، وإنما دفعها للخروج من بيته إلى غير رجعة. عندما سقطت البلاد انتقلت رفيقة مع زوجها الثاني وأولادها لعيش في حارة حريك، فيما سكن عاشقها أحمد في مخيم برج البراجنة مع زوجته الثانية التي يطلق عليها الناس اسم (أم علي الجفرا)، وقد قَبِلَت هذا اللقب إكراماً لقصة حب زوجها مع (جفرا) الذي واصل غناءه لها في الأعراس بحرقة. قصة حب من طرف واحد. أحيا أحمد في (يافة الناصرة) حفل زفاف، كما تغنى في حفل زفاف آخر في (الغابسية) بمحبوبته (جفرا)، من دون أن يذكر من تكون خوفاً على سمعتها، لكن نسوة في الغابسية و(المزرعة) أشاروا إليه وهن يتهامسن: (هذا هو راعي الجفرا. حِمِق وراح طلّق مرتو، وصار بعدها يكتب غناني).

وجدت نفسي أدندن مع قدوم ابني أيمن من غرفته، فتوقفت. قال: طلعت من غرفتي علشان أسمعك، بالله عليك يابا تكمّل، فأسمعته بعض ما أحفظ من أغاني راعي الجفرا:

جفرا ويا هالربع

وردت عا رام الله

وإن كان ما في ورق

لكتب على الجرّة

وإن كان ما في حبر

هيلن يا عينيّ

جفرا ويا هالربع

تِحشي القَصِل في الخيش

واللي جوزها نذِل

ترخي السوالف ليش

يا رايحين ع حلب

حُبي معاكم راح

يا محمّلين العنب

تحت العنب تفاح

كل من حبيبو معو

وأنا حبيبي راح

يا رب نسمة هوا

ترد الوِلف ليّا.

سألني ابني عن حكاية الأغاني، فقصصت عليه الحكاية:

* يابا من أي قرية أحمد عزيز؟

– من كويكات – عكا.

* وشو معنى جفرا؟

– لغة معناها أنثى الغزال.

تذكرت ما قاله لي (عاد)، وقد اهتم بمعرفة تفاصيل حكاية جفرا، أن راعي الجفرا كذب على المناصرة في بداية الأمر، وأنه قال له إن حكاية جفرا في الأصل كانت حلماً، حيث وجد نفسه على حائط مبني من الحجارة في القرية، وإنه جاء له الجن الأحمر في المنام وحدّثه عن جفرا، ثم انضمت إليه. أكل معها جوزاً وفستقاً، وعندما استيقظ من نومه، أخذ يبحث عنها في نهاراته، إلا أن صديقاً مقرباً من (راعي الجفرا) لَحِق المناصرة بعد أن خرج من المقهى وقال له: (يا أستاذ، صاحبي كذب عليك. لم يقل لك الحقيقة)، رجع المناصرة إلى المقهى بعد أن قرر أحمد أن يروي له الحكاية الصحيحة. قال لي (عاد) إنه التقى بالمناصرة مرة أخرى فيما بعد، وسأله عن حكاية جفرا الشهيدة. اسمها بالفعل جفرا إسماعيل النابلسي. طالبة في الجامعة الأميركية في بيروت.

وهي من سكان سوريا. التقاها في مطعم في (كورنيش المزرعة). كانت صديقة ابنة صاحب بيت سكن فيه. لم تكن العلاقة في الظل، شاهده الناس معها في أماكن عديدة، في الحمراء، وصور، وزحله. أحبها ليس فقط لجمالها كما روى لي عاد، وإنما لأخلاقها ودماثتها. قال لها يوماً: (نفسي أشوفك يوم بالثوب الفلسطيني المطرّز)، وعندما عادت من إجازتها الصيفية في السنة الأولى كانت ترتدي الثوب، قبل أن يستفيق المناصرة والذي عمل سكرتير تحرير لمجلة (شؤون فلسطينية) على خبر وفاتها، نُشِرَ اسمها في الصحف مع أسماء شهداء سقطوا على حاجز تعرّض إلى قصف إسرائيلي. قال لي (عاد). سمعته يُحَدِّث جالسيه: قالت لي أمها عندما حضرت من سوريا لاستلام جثمانها: (ما إلك حظ يا إبني). استشهدت جفرا في (الحازمية) عام 1976 حيث استشهد غسّان كنفاني.

 

 

 

صحيفة رأي اليوم الالكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى