كلمة في الزحام

عرب ناصروا اليهود في محنتهم

عرب ناصروا اليهود في محنتهم… يقول الباحث والمترجم التونسي الشريف مبروكي إنّ من الأساطير المتداولة عن الحرب الأهلية الإسبانية (1936-1939 ) التي انتهت بانتصار الفاشية وإعادة الملكية إلى أسبانيا، أنّ المغاربة (الموروس) الذين يوصفون ظلما لدى بعض المصادر العنصرية الغربية بالضراوة والتوحّش،هم من حسم المعركة لصالح فرانكو الذي كان مرابضا بقواته في شمال المغرب، والتحق بصفوف “الكتائب” الفاشية في فترة متأخرة نسبيا، وهؤلاء هم وحدهم من ساهم في تلك الحرب الدامية.

ولكنّ المؤرخ اليساري الأسباني فرنثيسكو سانشيث روانو،عدّل هذه الصورة النمطية القاتمة في كتابه “الإسلام والحرب الأهلية الإسبانية” الذي قدّم له المؤرخ المغربي عبدالمجيد بن جلّون، مبيّناً بالصور والوثائق أنّ العرب المسلمين قد شاركوا أيضا إلى جانب الجمهوريين بأعداد كبيرة عدّهم بالآلاف، وخصوصا الثوريين الجزائريين من أنصار مصالي الحاج وكذلك الاشتراكيين والشيوعيين والفوضويين وغيرهم، الذين جاؤوا من دول عربية كثيرة مثل مصر والعراق وبلاد الشام ومن عرب فرنسا بشكل خاص..

تحيلنا هذه الإشارة إلى مسألة ينبغي التوقّف عندها والنظر على ضوئها في قضايا راهنة تخصّ مسألة التسامح، وهي أنّ بعض المصادر الغربية التي تدّعي التوثيق للتاريخ الحديث، يحاول أصحابها أن يصوّروا العرب المسلمين على أنهم جماعة يقفون إلى جانب الحركات الفاشستيّة والعنصريّة مبرّرين ذلك بافتقار ثقافة شعوب المنطقة إلى قيم الحرية والعدالة، ونزوعهم الغريزي نحو التظلّم ومناصرة الدكتاتوريات.

ويستند هؤلاء المؤرخون إلى وقائع وأحداث كانوا قد جرّدوها من سياقها التاريخي وأضافوا إليها الكثير من المغالطات، كوقوف الكثير من العرب المسلمين إلى جانب جيوش المحور والحركة النازية إبّان الحرب العالمية الثانية بدافع الكراهية والانتقام.

الحقيقة أن لا شيء يدلّ على هذا،غير بعض القراءات المغلوطة لانفعالات شعبيّة مشروعة في رفض الاستعمار الفرنسي والانكليزي وكذلك لسياسيين مبتدئين وهواة كانوا قد ظنّوا أنّ عدوّ العدوّ هو صديق بالضرورة.

من الحقائق التاريخية التقاليد الألبانية التي تتضمن حسن الضيافة وحماية الضيوف والتي عززتها القيم الإسلامية، وساهمت في إنقاذ الكثير من اليهود الفارين من النازية.

قد تبرّر السياسة للذين زلّت بهم أقدامهم نحو مناصرة الطغاة أو حتى الانحناء للعاصفة كما قال الفيلسوف هيدغر(الذي اتهم بمسايرة النازية)، لكنّ التاريخ والمنظومات الأخلاقية توقّفت ـ وبتقدير ـ عند مبادرات لم يبتغ أصحابها من ورائها لا جزاء ولا شكورا، إلاّ بما أملته ضمائرهم الإنسانية والقيم العليا لعقيدتهم ، وهي تلك التي أقدم عليها مسلمون وعرب عند مساندتهم المطلقة لليهود في محنتهم أثناء تلك المرحلة المفصليّة والقاسية من تاريخ البشريّة، ونقصد بها انتصارات الأفكار النازية والفاشستية في أوروبا عبر آلتها العسكرية الهتلريّة، وقد أمعنت في ملاحقة وتقتيل اليهود وغيرهم من الأعراق التي يراها النازيون غير جديرة بالحياة والبقاء.

أقدم مسلمون كثيرون على إخفاء وحماية اليهود من مواطنيهم أواللاّجئين إليهم من حملات التفتيش النازية، وأنقذوا عائلات كثيرة من مجازر ومحارق كانت مؤكدة، وتنتظرهم أثناء دخول الألمان إلى بلدانهم في الحرب العالمية الثانية، ويتفق كثيرون على أنه قد تأخّر الاعتراف أو حتى مجرّد التذكير والتنويه بدور المسلمين في هذا العمل الإنساني، أسوة بغيرهم في مناسبات إحياء ذكرى المحرقة. لا يختلف اثنان في أنّ القضية الفلسطينية قد جاءت في ما بعد لتلقي بظلالها حول هذا الموضوع لدى الطرفين، اليهودي والمسلم ، لكنها لم تحجب الحقائق والوقائع التي سعى إلى كشفها دارسون ومثقفون وسياسيون من اليهود والعرب على حدّ سواء، في رغبة لإنصاف التاريخ وإعادة مدّ جسور التواصل وقيم التسامح في زمن صعب.

يقول الكاتب البريطاني فياز موغال في ذكرى إحياء المحرقة:إنّ علينا تذكّر المسلمين الذين أنقذوا اليهود خلال أحداث الهولوكوست، وتوجد عدة قصص موثقة ومؤثرة حول تلك المواقف الشجاعة للمسلمين إزاء اليهود الذين فرّوا إلى ألبانيا وشمال أفريقيا وتركيا.

وانتبه روبرت ساتلوف – المؤرخ الأميركي المختص في الشرق الأوسط والرئيس التنفيذي لمعهد سياسة الشرق الأدنى -إلى أن قائمة الـ20 مليون اسم لم تضمّ عربيا واحدا؟ وقاده هذا التساؤل للبحث في منطقة المغرب العربي التي لم تسلم من تركيز معسكرات الاعتقال ووقف عند قصص عرب ساعدوا اليهود وحموهم زمن النازية. وتحدث إلى تونسيين كانت عائلاتهم قد آوت يهودا كثيرين وأنقذتهم من الموت وربط ساتلوف كل ذلك ووثّقه باعترافات تسجيليّة لعائلات يهودية مازال يعيش أبناؤها وأحفادها في الولايات المتحدة وغيرها كقصة خالد عبدالوهاب الذي أنقذ عائلتين وأخفاهما في مزرعته معرّضا نفسه إلى خطر القتل سنة 1942

ويشير الكاتب البريطاني موغال إلى أنّه كانت توجد دولتان فقط في أوروبا تستوعبان اليهود الفارين وهما بلغاريا وألبانيا التي ارتفع عدد اليهود فيها من 200 شخص في بداية الحرب العالمية الثانية إلى 2000 شخص، وأضاف مدير المنظمة المعنية بتسجيل وقيام الحوادث ضد المسلمين في بريطانيا في مقال له نشرته صحيفة “هافنجتون بوست” الأميركية، أنّ من الحقائق التاريخية التقاليد الألبانية التي تتضمن حسن الضيافة وحماية الضيوف والتي عززتها القيم الإسلامية، وساهمت في إنقاذ الكثير من اليهود الفارين من النازية الألمانية والهولوكوست.

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى