علاقتنا بالفنون
علاقة الإنسان بالفنون تزداد غموضا وتشابكا كلما تشعبت أساليب الإنتاج والتلقي. وهذا الأمر لا يقتصر على العالم العربي بل في العالم أجمع، مما جعل المنظمة العالمية للتربية والثقافة والعلوم، اليونسكو، تنبه أن ليس هناك فهم عالمي محدد لمفهوم الإبداع.
إنه مفهوم مفتوح على التأويلات ابتداء من التعبير الفني وانتهاء بمهارات حل الإشكالات في إطار التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة. ولذا، أعلنت الجمعية العامة، يوم 21 نيسان/أبريل يوما عالميا للابتكار والإبداع لإذكاء الوعي بدور الإبداع الابتكار في جميع مناح التنمية البشرية.
وبالعودة إلى علاقة المجتمعات العربية بالآداب والفنون، فإن الأمر لا يرتبط بنسب التعلم أو الأمية بقدر ما يرتبط بالتقاليد المجتمعية وكذلك الوعي بمفهوم الحرية الفردية التي تسمح بالاختلاف والتفرد وكسر التقاليد السائدة.
العالم كله أصبح يتجه نحو بدائل ثقافية تعكس مزاج العصر وسلوكه فلا الشعر ولا الرواية ولا المسرح ظلت كما كانت عليه هذه الفنون فترات الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
الإحساس بعبثية الواقع وما آل إليه العالم من كوارث أدت إلى المزيد من التمزق والانحدار الأخلاقي، جعل أساليب التعبير توغل في غرابتها ومجافاتها لأصولها، مما صنع إرباكا في حالتي الأداء والتلقي أثرت على الذائقة النقدية بصفة عامة.
المشكلة في العالم العربي هو حالة مرعبة من التبعية الثقافية ناتجة عن تبعيات سياسية واقتصادية، لذلك جاء الإنتاج الفني والأدبي مشوشا، مشوها وغير أصيل.
هذا الارتباك الفني والثقافي جعلنا نشعر بنوع من الخواء الذهني فلا نحن ظللنا على كلاسيكيتنا في صورتها القديمة والمكررة، ولا نحن خضنا غمار التجريب واكتوينا بنار الحداثة، ذلك أن كل شيء لدينا مهجّن وغير ضارب في الأعماق.
العالم فقد عقله وقلبه وأعصابه بداية الألفية الجديدة وأنشأ قطيعة معرفية ازدادت شراسة مع الثورة الرقمية وفرضت أساليب تعبير جديدة، فلما نعطس نحن إذا أيب الغرب الأوروبي والأميركي بالرشح؟
انخرطنا في حداثة لا ننتمي إليها ولا تنتمي هي إلينا، فلماذا نرهق أنفسنا بالأدوات وكيفية صنعها وصياغتها دون أن نمتلك المضامين؟