كتاب الموقعنوافذ

في ذكرى محمود درويش: مرٌت الأعوام بسهولة؟

منذ مات محمود درويش، وأنا أحس بالبرد وضيق الصدر! البرد لأن التراب الرحيم، مهما كان وطنيا ومحبوباً ومقدساً، بارد وكتيم ورطب. ولأن القبر ضيـقً مهما اتسع، وصلبٌ على الرئتين مهما تزخرف بالورود. عدم ” التصديق” مشكلة الأحياء إزاء الموتى. ولكن الزمن يتكفل بالإقناع. فدرويش الشاعر لم يعد أحد ينتظره في أمسـية أو كتاب. ودرويش الفلسطيني العالمي أصبح رمزاً واحتفالاً وصور. ودرويش، المؤلم والمتألم ، قد قام بتشكيلّ نوع فراره المبكّر منّا، ومن رخاوة ما نفعله كل يوم بقضايا كبرى، تنميطاً بدئياً لما نفعله بقضايا الحياة الصغرى.
وعدم” التحديق” مشكلة الأحياء تجاه الحياة… وبعد رحيل شاعر بوزن وقيمة محمود درويش سينخفض المنسوب الجمالي للشعر، لأن الصحراء تحتاج، في عصر بداوتنا، إلى أداة لقياس التيه. أداة إضاءة بدائية صادقة هي نجوم الاتجاهات… نجمة شمال وأخواتها.
بعد رحيله (أثناء وقبل رحيله) انخفضت ســقوف التوقعات. فما كان أملاً صار كابوساً. وما كان ممكناً صار مستحيلاً، وما كان حلماً صار كابوساً. وفي هذا الثلاثي العربي لم يعد الشعر مُحتفِلاً بمسعاه في الحياة كنشيد لها، بل متكئاً على مرثاة طويلة كوصف ناجزً لمنجزها.
الحالمون الكبار، منذ آخر الطلقات القديمة، وجدوا أنفسهم في تقاطع نيران الطلقات الجديدة. كانت فلسطين مؤكدة في الخاصرة ، وغدت مؤبّدة في الذاكرة! كانت نشيداً وطنياً في ” الحناجر” كلها، وأصبحت راية صفراء، وخضراء، وحمراء، وبلا لون.. مرفوعة على” الخناجر” كلها!
انتهينا من فكرة الحالمين الصغار يصوغون ممكنات العبيد:” إذا لم تستطع أمراً فدعه وجاوزه إلى ما تستطيع”. ومن سياسة، إلى رئاسة قصرت قامتها… تلك التي ظلّ محمود درويش يمدّدها كعروس، على طاولة الكتابة، ويسمّيها… ويغنّيها:”على هذه الأرض ما يستحق الحياة”.
كنت أتذكر محمود، في كل سياق له علاقة بفلسطين، وبعد موته كنت أراه عائداً إلى الحياة، في كل أوضاع الحياة، وفي الحالين كانت فكرة ” المعجزة الواقعية” فكرة مقلقـة ودائمـة التوتـر: أن تخلـق نصاً موازياً في قوتـه ، لقضيـة قوتها وضعفها فـي أصحابها… شعراء وسياسيين ومكافحين وحالمين ويائسين…بجملة واحدة: ألا ييأس الجماليون حيث يفشل الواقعيون؟!
…………..
في ذكرى موت محمود درويش يجب الانتباه إلى كل ما نبّه له في شعره،” ما أوسع الفكرة، ما أصغر الدولة”. فهذه الجملة، مثلاً، محمولة على فكرة صراع عصر عربي يحاول النصر، أمام عصر اسرائيلي أنجز النصر!
وهي فكرة: بفلسطين، وحولها، وعليها، وفيها… سينتهي أو يبدأ المستقبل العربي!

بوابة الشرق الاوسط الجديدة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى