كلمة في الزحام

“قاف قاف جيم”

قاف قاف جيم

جلس آخر رجل موجود على الأرض وحيدا في حجرة ثم سمع طرقا على الباب”. كانت هذه أقصر قصة رعب في العالم، وقد كتبها المتخصص في قصص الرعب والخيال العلمي فريدريك براون.

ترى، من يكون هذا الطارق؟ إنه بلا  شك، كائن غير بشري، مادمنا قد أسلمنا اليقين بأن بطل حكايتنا هو آخر من تبقى من البشرية أي أن هذا الزائر الغامض هو مرعب بالضرورة، وغير مرغوب فيه لأن مجرد طرق الباب يعني عالما من الافتراضات يخفي قصصا وأحداث سوف تدور في الخارج أو حتى في الداخل إن هو تجرأ على فتح الباب. ولكن، كيف لتلك الأحداث أن تحدث بمعزل عن الكائن البشري، وذلك على اعتبار أن الإنسان محور كل قصة تعاش أو تروى؟.

يجعلنا هذا الكاتب ـ ومنذ اللحظة الأولى ـ نسلّم بالاعتقاد في الأشباح، إذ لا يمكن لإنسان يعيش وحده على ظهر الكوكب دون أشباح تؤنس غربته فيتخذ من بعضها صديقا ومن بعضها الآخر عدوا، وبذلك يصبح للحياة معنى.

رهبة هذه القصة تتمثل في كونها قصيرة جدا، وتنفتح على خوارزميات  هائلة من الاحتمالات، فلو سارع صاحبنا إلى فتح الباب  لعلم الجواب وأقفلت القصة مهما كانت نهايتها، لكنها عبقرية كاتبها منعتها من البوح عمن في الخارج، هذا إن كان في الخارج، حقا، كائن غير بشري يطرق الأبواب كما نفعل نحن ذوي الأيادي والقبضات والأصابع، والبيوت التي نأوي إليها كل مساء.

أما الأغرب من ذلك كله فهو السؤال التالي: من روى هذه القصة؟ من هذا الشاهد غير البشري الذي كان حاضرا على آخر رجل في العالم؟ هل يتعلق الأمر ب”صندوق أسود” يسجل وبالصوت والصورة جميع ما يحدث لرجل وحده ثم كيف جاءت البشرية من بعده وهو الذي يعيش دون امرأة يسكن إليها وتسكن إليه؟ كل أفعال هذه القصة القصيرة جدا، والمعروفة لدى النقاد اختصارا ب”قاف قاف جيم” جاءت في صيغة الماضي أي أنها قد حدثت وانتهى الأمر.. فيا لفظاعة ما حدث.. لعلنا نحن القراء جئنا نطرق بابه لنعلمه بأننا نلعب معه الغميضة، وأن الأمر ليس إلا مجرد مزحة فنبشره عندئذ، بنهاية سعيدة لقصة مرعبة.

ما يؤثث لفرادة هذه القصة وغرابتها هو علم البطل بأنه آخر رجل على الأرض أي أنه قد نجا من وباء جارف أو حرب طاحنة، وهذا ما يجعل الطرق على الباب حدثا استثنائيا بل مرعبا ويزيد من الإرباك ثم ما الحاجة إلى الباب ما دام ليس هناك من يطرقه؟

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى