” قدري”
يعاني الشاب “قدري” من إعاقة جسدية وذهنيّة ولدت معه و شلّت حركته وعقدت لسانه فجعلت عيشه ومصيره دامسا موحشا كقبو القصر الذي زجّ فيه وهو مقيّد بالسلاسل فلا يأتيه الطعام إلا من فتحة صغيرة تسمح ببعض الضوء والهواء والأصوات البعيدة .
لا يعلم “قدري” شيئا عما يدور خارج الأسوار ولا في ردهات القصر العلوية الذي يملكه ويسكنه أبوه القاسي المتغطرس إلى حد الجنون ..أبوه الذي يرفض أن يكون له ابن معاق فقرر دفنه حيا في هذا السرداب المظلم كي لا يخدش مقامه أمام شركائه من أصحاب الجاه والنفوذ , خصوصا و انّ والدة “قدري” قد فارقت الحياة كمدا منذ زمن بعيد .
تشفق الفتاة “مريم” على أخيها “قدري ” وتحبه بجنون ,لكنّ جبروت والدها يحول دون ذلك فتتسلّل إلى القبو كلما سنحت لها الفرصة لمساعدة شقيقها على الاستحمام ثم تسمعه موسيقى عذبة على آلة نفخيّة شعبيه كان أبوها قد منعها من العزف عليها بحجة أنها لا تليق بمقام العائلة ومكانتها الاجتماعية .
يعم الغليان الشعبي في البلاد و تندلع الثورة التونسية التي انضمت إليها الفتاة “مريم ” ثم اختفت ي ظروف غامضة و يقتحم الثوار أسوار القصر مستهدفين صاحبه كواحد من رموز الفساد في النظام المخلوع .
يلوذ الأب بالفرار مع ما خف حمله وغلا ثمنه تاركا” قدري ” يواجه مصيره في عتمة القبو وتحت زرد السلاسل .
ينتبه مقتحمو القصر ـ وبمحض المصادفة ـ إلى وجود الشاب ” قدري ” المعاق فيحررونه من قيده ليجد نفسه في الشارع الذي يتعرف إليه لأول مرة ويبدأ باكتشاف الحياة وهو يمسك بالآلة النفخية التي كانت تعزف عليها شقيقته مع موجات الفوضى والتسيب وحتى حظر التجوال أحيانا .
يلتقط قدري ما يسد به رمقه من بقايا الطعام ويستمر في مسيرة الاكتشاف والتأقلم مثل إنسان بدائي إلى أن تؤويه احدى الجماعات التكفيرية المسلحة , تحاول أن تعلّمه طقوس العبادة دون جدوى فتقرّر تفخيخه بحزام ناسف في عملية تستهدف حشدا من الناس في وقفة احتجاجية تطالب بنظام علماني ..
تحوّل جسد قدري إلى شظايا بين الأشلاء المتفحمة ولم يعثر إلاّ على طوقه الذهبي الذي كان مخبئا تحت ثيابه الرثّة … والذي أهدته له أمه قبل رحيلها منذ زمن بعيد ..
كلمة في الزحام
كان هذا ملخصا لشريط سينمائي كتبته من وحي الثورة التونسية ..وللثورة بقية …تماما كما ” الحديث” ..