كتاب الموقعكلمة في الزحام

الأجداد يزورون أحفادهم

الأجداد يزورون أحفادهم … شارك السوريون في الدورة الأخيرة لأيام قرطاج المسرحية بعمل لافت يحمل عنوان ” ليلي داخلي” تقوم بدور البطولة فيه الفنانة روبين عيسى بمشاركة بسام البدر عن قصة لماركيز أعدّها خليل صويلح ويحمل توقيع سامر اسماعيل في الإخراج بعد أن عرفناه ناقدا من العيار الثقيل.

تفضح المسرحية انبطاحيّة المثقف أمام ما يجري من أحداث ودماء وسيناريوهات في البلاد السورية خصوصا والعربية عموما بجرأة قلّما عهدناها في الأعمال التي تنتجها وزارة الثقافية السورية المعروفة برقابتها الصارمة على كل المصنّفات الفنيّة و” غير “الفنيّة” ….لعلّ في الأمر “إنّ” أو “واو” .

طبعا ليست الغاية في هذه المساحة القصيرة أن نتناول جماليات هذا العرض الذي أسال الكثير من الحبر في الصحف التونسية وصفّق له جمهور الحضور كما لم يصفّق لأي عمل آخر في فضاء “الحمراء” وسط العاصمة …هل يكون تصفيقا سياسيا لا فنيّا كانتقام مبطّن من جماعة النهضة الحاكمة ….ربما

قدّم العرض الأول في مدينة “مدنين ” الجنوبيّة وهي ميزة تحسب لهذا المهرجان العريق من جهة كسر تلك المركزية المقيتة التي دأبت عليها مهرجانات عربية ترابط في العواصم وتحرم الأطراف من خبز الثقافة ….والأهم من هذا كله هو “قصديّة ” الاحتفاء بأحفاد أبي خليل القباني من جهة أخرى : وهم الأولى بأن ترفع لهم الستائر وتشعل لهم الأضواء في هذا الليل السوري والعربي الدامس.

“ليلي داخلي” عمل يعرّي , يكشف , يفضح , يوضّح ,يواجه , يبوح , يغضب ويتجلّى بانتمائه إلى المسرح غاية وليس مطيّة , عرضا وليس استعراضا , سوريّا وليس”مسيّرا ” أو “مسيّرا” أو “متسوّرا”.

قدم المشهد السوري مع هذا الفريق الفني الشاب البشوش بكل تفاصيله الأكثر بلاغة من شاشات الرمال العربي المتحركة والأقدر تجاوزا لعبارات التعاطف والأنقى طهرا وأملا من كل الدموع ……ومهما كان ذارفوها أمام نشرات الأخبار وهم على الأرائك ممدّدون.

جاء السوريون إلى تونس كما يعود الأجداد أحفادهم في غربتهم محمّلين بعصير العنب و”المكدوس” و” الشنكليش” وربّتوا على أكتافنا وهم يعضّون على جرحهم ثمّ ذكّرونا بأوّل قبلة طبعها الفينيقيون على ساحل المتوسّط فأنبتت زيتونا وأحلاما ومودّة لن تجفّ إلاّ بجفاف هذا البحر الموغل في الحنين بين سوريا وقرطاج .
هل من قبيل المصادفة أن يأتي الوفد السوري عبر مطار بيروت ويحلّقون على ارتفاع أميال من سفن صيدا وصور وايليسار التي ماانفكّت تمخر عباب المتوسّط حضارة وثقافة .

شكرا لصنّاع هذا العمل على هذه الترنيمة السورية الضاربة في الصدق والجمال والمسؤولية….مسؤوليتنا جميعا أمام سوريا حاضرا ومستقبلا …إنها قلب أمنا الرؤوم…..والتي آن لها أن تستريح.

 

09.12.2013

بوابة الشرق الاوسط الجديدة 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى