كتاب الموقعكلمة في الزحام

التنكّر:قناع تحت الجلد

التنكّر: قناع تحت الجلد .. قيل إنّ شارلي شابلن قد شارك وهو متنكّر في مسابقة لتقليد شخصية (شارلي شابلن) فكانت النتيجة أن حلّ في المرتبة الثالثة…! .
أمّا أنا فأنجح غالباً في الكتابة بلغات ولهجات الآخرين وأفشل أحياناً في الكتابة باللكنة التي ولدت عليها وأحلم بها… صحيح، هل يحتاج المنام إلى ترجمة فوريّة أو من تلك التي تكتب عادة في أسفل الشاشة..!؟. ‏
لماذا إذن، ينزع الإنسان إلى التنكّر لذاته ومجافاة الصورة التي هو عليها ؟! …وهل نحن على صورة واحدة وثابتة ‏

هل هي ممارسة الغريزة الأولى في فن التشخيص والهروب إلى ارتداء جلود الآخرين؟. ‏
هل هو الملل من الذات والرغبة في الاستراحة والتمتّع بهيئات لا تشبهنا؟. ‏
هل سئمنا وجوهنا وأصواتنا وطباعنا وأسماءنا فأودعناها خزائن التجميد إلى أجل غير مسمّى ؟. ‏
هل التنكّر مؤامرة على الذات وطبخة حصى لإسكات جوع الفضول والرغبة في اللعب الجماعي من دون رادع أو رقيب…. لعله الذات حين تريد الانفلاش والانفلات من عيون الآخرين لتمرح على هواها… فقط على هواها. ‏
التنكّر كذب(مشروع)، طفولة مستعادة و… تمثيل لغير المحترفين. ‏

غريزة حب التنكّر يشتهيها كل الناس في سرّهم، لكنهم يذمّونها في العلن بقول العامّة: (ما يتنكر لأصله غير الكلب)،  إذا كان هذا الحيوان الذي يضرب به المثل في الوفاء متنكّراً لبني جلدته ويعوي في وجه بني جنسه، فالسبب يرجع للبشر الذين دجّنوه وجعلوه راعياً لأغنامهم وحارساً لديارهم. ‏
عرف التنكّر لدى الحضارات القديمة وأقامت له الشعوب الاحتفالات والكرنفالات رغبة منها في محو تجاعيد الزمن وإخفاء الدموع والضحكات… والتقارب بين الأجيال والأجناس،  ذلك أنّ القناع يجعلنا أكثر حرية – على عكس ما أريد لوظيفته الأولى- وتلك مفارقة عجيبة…إنه كسر للجدار الرابع.
التنكّر احتيال على المرآة التي لا تعترف بالوجوه التي تقف في حضرتها، إنّه فن تبادل الهيئات التي نأخذها معنا أينما حللنا وغالباً ما ترافقنا إلى مثوانا الأخير.
لكنّ التنكّر في عصرنا الراهن أصبح احترافاً بعد أن كان هواية، فتحت له عيادات التجميل وأقيمت له منابر الخطباء فأصبح فن التشارك في المؤامرة على مبدأ: (صدّقني كي لا أكذّبك). ‏

كلمة في الزحام: يبدو أن التنكر في أعلى تجلياته هو في سقوط الأقنعة وليس في ارتدائها فهؤلاء حكام يتنكرون لمن انتخبهم بعد وصولهم إلى الكرسي وشعوب تتنكر لـ “زعماء الأمس” بعد سقوط جدار الخوف وأولئك مستخدمون يتنكرون لأولياء نعمتهم بعد افلاسهم .

03.11.2013

بوابة الشرق الاوسط الجديدة 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى