الحزن عليك هو المكتوب …
الحزن عليك هو المكتوب … قراءة في فنجان مثقّف عربي مسفوح
أمامك طريقان: الأوّل يؤدّي بك إلى الهاوية والثاني يؤدّي بك إلى الهاوية …
الأوّل أبيض، مثل هذه الورقة التي بين يديك وقد تعوّذت بالرحمن منك ولم تك بالأمس تقيّا، فلم يمسسها حاكم – حينئذ – ولم تك بغيّا.
أبيض يأخذك في انسياب أبيض إلى مصير أبيض … مثل أسرّة المشافي و مراويل الأطبّاء والممرّضين … ولكن ليس كقصيدة “أمل دنقل” وأيقونته المعنونة بـ ” لا تصالح” … عفواً، هل نسيت الزير سالم … وأسطورة الثأر؟
أبيض مثل الأكفان الناصعة في بياضها وحيادها أمام راحات المصلّين على مختلف نواياهم …. ولك أن تسأل: لم يعد الأبيض لون النقاء والحياد … أم هو أوراق الشيطان الأخرس والساكتين عن الحق قبل يوم الحق ؟
أبيض مثل صكّ ينتظر براءتك تحت كراسي الاعتراف بالهزيمة … أم شيكاً على بياض… يشبه مقلتي زرقاء اليمامة بعد أسطورة الكسوف والانتقام ممّن سيأتي .
أمّا الخطّ الثاني والمرسوم على فنجانك أيها المثقّف فأبيض هو الثاني … أبيض مثل قرشك الذي أردت له أن ينير ليلك الأسود الذي أنت فيه … أبيض بلون ملابسك الداخلية التي لم تعد تحتاج إليها … ولم تعد بيضاء بالمناسبة …. صارت بألوان كل أعلام العالم…. والألوان –أعزّك الله – حينما تخلط جميعها، لا تعطي إلاّ اللون الأبيض وفق منطق و مناطق الفيزياء والكيمياء.
الخطّ الأبيض الثاني ليس ” خطّ رجعة ” يا عزيزي المثقّف كما قد تتوهّم … إنه خطّ الذهاب إلى البلاهة من أوسع أبوابها … ويقينك أنّ الرجوع محال.
ثمّة نقطة سوداء في فنجانك وأخرى بيضاء كذلك، إنها على شكل بيضة يتيمة في مقلاة … لعلّها العلامة الصينيّة القديمة المستوحاة من تعليمات الحكيم” كونفشيوس ” والقائلة بأنّ الخير قد يحمل شرّاً بالتأكيد … وكذلك الشرّ في الاتجاه المعاكس … وهذه حجّة كفيلة بإقناع محاوريك من الاتجاهين ..انظر كم أنّ الأقدار تسعفك في كل مرّة أيها المثقّف المختصر في فنجان من القهوة.
أرى ثلاث علامات في فنجانك الزوبعة:
الأولى خضراء
تسمح لك بالسير في الاتجاه المسموح وبالسرعة التي تمكّنك من الوصول … تسألني إلى أين… هذا في علم الغيب.
الثانية برتقالية:
تجعلك على أهبة الاستعداد للسير أو التوقّف …. لكنها تذكّرك بقصيدة لوركا: “الطفل يأكل البرتقال في الشرفة
الثالثة حمراء:
بلون حكم الملعب الذي يسمّونه ” ضميراً ” … بلون الدم … الدم … لا تقل لي رمّاناً أو شقائق نعمان أو ما شابه ذلك من الهروب في متاهة البلاغة وأحراش الكلام.
أخيراً .. ابصم هنا أيها المثقّف ….. ابصم بإبهامك اليسرى مثلما يحدث في استخراج بطاقات الهويّة والأوراق الثيوتيّة …. ابصم على ثقة اسمها” الآن وهنا “.
كلمة في الزحام:
تذكّر جيداً هذه الكلمة: ” هويّة ” … هذه رسالتي إليك وقد غلبني الخوف في عينيّ أمام فنجانك المسفوح…. لا تحزن فالسؤال عليك هو المكتوب.
02.09.2013