كتاب الموقعكلمة في الزحام

رأسان في جسد واحد

رأسان في جسد واحد .. اسمي عبد الواحد وشقيقي التوأم اسمه عبد الأحد، مشكلتنا أنّنا لم نفترق يوماً منذ بطن أمّنا، لا لحبّ أو تعلّق، فنحن نختلف في كلّ شيء ماعدا هذا الجسد الذي حلّ فيه رأسانا على شكل Y  . إنّها عاهة خلقيّة نادرة، أو ما يسمّى حديثاً بالتوأم السيامي .
نسيت أن أقول لكم إنّ عاهتنا أخلاقيّة أيضا… أقصد من جهة أخي التوأم على الأقل، ذلك أنّ هذا الرأس الأصلع الذي يجاورني الآن أمّيّ وجاهل وهو يرمقني الآن مثل دابّة وأنا أخطّ إليكم هذه السطور ويستعجلني في إتمام الكتابة لأفرغ له يدي فيستخدمها في الأكل والشرب وممارسة الرذائل التي أدمنها، مع أنّ معدتنا واحدة.
تزعجني طبائع شقيقي إلى حدّ الفزع، فأنا متديّن وهو مارق، أنا محافظ وهو متحرّر من كلّ الضوابط ، أنا حريص متقشّف متحفّظ وهو باسط اليد سليط اللسان، أنا أحب أن آوي إلى فراشي باكراً وهو يهوى اللهو والسهر ومعاشرة الغانيات.. لا أنكر أنّ صوته جميل وينفخ في آلة موسيقيّة تافهة، يمارس الرياضات الشاقة ويرفع الأوزان التي لا أقوى على حملها مع أنّ عضلاتنا واحدة ..! .
صحيح أنّا ننام على وسادة واحدة وكثيراً ما يجبر أحدنا الآخر على الاستيقاظ في وقت واحد لكنّنا لا نحلم ذات الحلم ولا نفكّر بذات التفكير، إنّنا مختلفان في كلّ شيء إلى درجة أنّ في بيتنا جهازين للتلفزة والراديو كما أنّ لنا أصدقاء مختلفين تماما . .. لكنّ الكارثة أن لا أحد بقادر على الخروج من حياة الثاني … وقد أخبرنا الأطبّاء بأن لا حلّ إلاّ أن يضحّي أحدنا بحياته ويقبل بالتخلّي عن هذا الجسد لرأسه التوأم ويغادر هذا العالم التي يتشبّث به كلانا رغم حجم المأساة.
كثيراً ما أوقعني هذا الجار المزمن في مشاكل كثيرة ، كأن يستخدم جسدنا المشترك في مآرب لا ترضي الخالق ولا المخلوق … هوّ يدخّن وأنا أصاب بضيق التنفّس، هو يعاقر أم الكبائر وأنا أقوم بواجباتي الدينيّة ….
لا أنكر أنّه أميل منّي إلى رياضة المشي وكثرة الاستحمام والتأنّق وإطالة النظر في المرآة، لكنّه استعراضيّ ومتعجرف ويلبس على الموضة وأنا أفضّل الزيّ السلفي.
يغازل النساء ويوقعهنّ في شراكه بطراوة لسان نادرة أمّا أنا فانطوائيّ ، متلعثم وخجول بطبعي, هو أعزب وأنا متزوّج – قال لي بوقاحة أنّه لا يريد أن ينجب أطفالاً لهم عمّ متخلّف- أمّا أنا فلم يرزقني الله بالذريّة … على عكس شقيقي الذي قال له الطبيب أنه يتمتّع بخصوبة عالية.
هل تعلمون ماذا قال لي في هذه اللحظة وأنا أكتب إليكم هذه السطور؟ قال لي بالحرف الواحد: (إذا لم تفرغ لي يدي الآن فسوف أضع هذا القلم في عينك وأنطحك برأسي فأكسر هذين النظّارتين فوق أنفك)..
طبعاً أنا لم أردّ على رعونته تنفيذاً لوصيّة أمّي التي رضعنا من ثدييها، ثمّ إنّي رئيسه في العمل، وهو مغتاظ منّي لأنّي أكلّفه بمهامّ شاقّة أثناء الدوام وفضحته عندما شاهدته يمدّ يدي(عفواً يده) إلى جيب جلّابيتي ويسرق النقود.
أفكّر في طريقة للانفصال عن هذا الزنديق المارق الذي ما ينفكّ يلحق العار بي وبعائلتي ويسيء إلى شريعتنا السمحاء، فانصحوني يا اخوتي في الله، مالعمل ؟. (التوقيع :أخوكم في الجهاد المعذّب :عبد الواحد)
وضع مساعد التحقيق هذه الأوراق على طاولة رئيسه وقال :(سيدي، لم نجد غير هذه السطور أمام الجثّة ذات الرأسين وقد أمسكت كلّ يد برقبة الرأس الثاني… ولا وجود لبصمات غريبة ).
– اتصلوا بمعارف كل رأس ولنبدأ التحقيق.
في اليوم التالي، سجّى الجثمان في صحن جامع المدينة لإلقاء نظرة الوداع ضمن موكب جنائزيّ مهيب وكان الجسد خالياً من رأس شقيقه عبد الأحد الذي قيل أنه اختفى في ظروف غامضة.

بوابة الشرق الاوسط الجديدة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى