كتاب الموقعكلمة في الزحام

ربيع قوم عند قوم (فزّاعة ) وخريف

ربيع قوم عند قوم (فزّاعة ) وخريف.. الحديث في السياسة عسير الهضم و يسبّب إكتاما لدى الشعوب التي مازالت (تنعم) باستقرار زجريّ وقهريّي، كما قد يتسبّب في إسهال لدى الشعوب التي بدأت (ترزح) تحت نير حريات التسيّب والفوضى والاعتصام والاحتجاج على مدار الساعة ….
إنها حريات الذين خرجوا لتوّهم من كهوف القمع ولم يكتفوا بكسر القيد وحده، بل كسّروا معه كلّ شيئ يذكّرهم بالأغلال …. حتى الأساور وأطواق الزينة .
إنها ثمار الربيع الحامضة التي بدأ الناس في تونس ومصر وليبيا يلتهمونها قبل نضوجها فضرسوا وضرسنا جميعا، حتى بتنا نعتقد أنّ الكروم لا تنجب إلاّ الحصرم .
التقطت بعض أنظمة (الاستقرار العربي المزعوم) هذه الحالة من الفوضى العارمة التي أفرزتها الثورات العربية وحاولت توظيفها في إعلامها الرسمي والمأجور للقول بأنّ ما يسمّونه بالربيع هو مجرّد أوهام وأضغاث أحلام، بل أنها مؤامرة كونية تستهدف استقرار المنطقة وتسعى لإضعاف العرب وتفتيتهم أكثر من اللازم، بدليل أنّ المدّ السلفي والجهادي يشهد (ربيعه) في دول الربيع.
انتبه حكّام الكراسي(غير التيفاليّة) – بحكم خبرتهم المزمنة – إلى أنّ النبيذ الفاسد يمكن أن يكون خلاّ جيّداً، فعالجوا تململ شعوبهم بوصفة يعتقدون أنها سحرية : وهي استغلال حالات التسيّب والفوضى التي تشهدها دول الربيع كفزّاعة تبعد كلّ من تخوّل له نفسه النسج على منوال التوانسة ومن جاء بعدهم، مثلهم في ذلك كمثل البخيل الذي يطنب ويطيل في الحديث عن مضار اللحم وفوائد الفول والوجبات الفقيرة بسعراتها الحريريّة .
وقعت نخب ثقافيّة كثيرة في الفخّ الذي نصبته لهم الأنظمة الشموليّة الخائفة على كراسيها (خصوصا أولئك الذين يسعون إلى شرف المعارضة وامتياز السلطة) فأوهمتهم أنّ (الوحدة الوطنيّة) مهدّدة بالزوال إن هم ناصروا حالات التمرّد والعصيان وأنّ من واجبهم (توعية) شعوبهم والاتّعاظ ممّا يحدث الآن في تونس ومصر وليبيا فأصبحوا مثل الذي لا يقرأ من الوصفة الطبيّة غير التأثيرات الجانبيّة فيعرض عن تناول الدواء ويترك علّته في عهدة الزمن والمفاجآت والمعجزات.
ولأنّ الحديث في السياسة عسير الهضم كما أسلفنا بداية هذه السطور فإنّي نسيت صحن السلطة من المقبّلات ودونكم إياه الآن في هذه الوجبة الفقيرة من الكلمات ومع بعض الخلّ الجيّد:
تعلّق قلب رجل نحيف ومتواضع الأناقة والوسامة بامرأة شديدة الجمال تطلّ من شرفتها وتبتسم، ابتسم وحيّاها بإشارة خفيّة من يده، فبادلته التحيّة بأحسن منها وأشارت إليه بالصعود إلى بيتها. طار قلبه وعقله وسارع إلى طرق بابها في ثوان، فتحت للطارق المتلهّف واستقبلته بابتسامة عريضة وثياب خفيفة، ثمّ أشارت إلى غرفة نومها وقالت بحياء :(تفضّل، اخلع ثيابك وسوف آتيك في الحال). لم يكن صاحبنا من العاكسين ففعل ما أمرت به وأكثر, ثمّ استلقى لينتظرها وهو غير مصدّق, وما هي إلاّ لحظات حتى أطلّت المرأة وهي تمسك بيد طفلها وتخاطبه مشيرة إلى قفص صدر صاحبنا النحيف :(انظر عزيزي كيف يصبح جسد الذي لا يسمع كلام الماما ولا يشرب الحليب).
لعلّكم تتخيّلون البقيّة : حجم الاحباط الذي مني به صاحبنا النحيف الطمّاع وما سوف يتلوه من عقد نفسيّة مزمنة إزاء النساء وكيدهنّ بعد هذه الحادثة الكارثة، اقتناع الطفل وعمله بنصيحة أمّه في شرب الحليب بعد هذا المثال التوضيحي الحي والصارخ، اطمئنان الأمّ على حسن سير بيتها وازدياد ثقتها بجدوى أسلوبها ونجاعة تربيتها …. كما يمكن قلب القصّة وبعثرة مفرداتها كأن يفاجئها الزوج بقدومه وهي متلبّسة ب(الجرم المشهود) فلا يسعفها أيّ عذر عندئذ .
قس على ذلك في عالم السياسة والسياسيين فيما يخصّ علاقة المثقّف الانتهازي بالسلطة النفعيّة التي تحاول أن (تربّي ) رعيّتها من خلاله فتكشف عن عورته وطمعه حين يحاول أن يهبش منها دون تنازلات واضحة ، أمّا عن المفاجآت وخلط الأوراق فقد (ينجح المثقّف الانتهازي) في التسلّل إلى السلطة بعد نجاح ثورة حدثت من حيث لا يقصد ولا يشارك في صنعها، تماماً مثل ما يمكن لصاحبنا الطمّاع أن يتزوّج من المرأة التي طلّقها زوجها بعد الحادثة ويستمرّ الطفل (الشعب) في تناول حليب الطاعة والانصياع حتى يدمنه.

*كلمة في الزحام :

لا يعرف قيمة الواحات إلاّ من خبر الصحارى ولا يظهر السراب إلاّ للعطاشى …. الآن وقد وصلنا منهكين إلى مشارف الواحة …. فلنصنع ربيعنا ولو بزهرات قليلة وكثير من الرعاية والتيقّظ.

بوابة الشرق الاوسط الجديدة 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى