في تعريف (الإنسان)
في تعريف (الإنسان) ..(بمناسبة حلول الشهر الفضيل)
هو كائن كثير التعقيدات، ميّال إلى الفذلكة ومولع بإرباك نفسه -وحتى إيذائها وإذلالها-على عكس شركائه في هذا الكوكب من الكائنات الأخرى.
إنه يلبس ثياباً ذات جيوب مكتنزة بالنقود والأوراق والمفاتيح، لاحم ونباتي في الوقت ذاته، مقلّد فاشل للحيوان من غير سبب أو جدوى، فهو يسبح دون زعانف طبيعيّة، ويركض دون حوافر خلقت لأجل ذلك، ويحلّق مستعينا بأجنحة اصطناعية، يقنص ويصيد دون مخالب … ودون حاجة إلى ذلك في أحيان كثيرة.
يخرّب ما حوله من طبيعة، ثمّ يجلس متحسّراً، متذمّراً، يستسقي السماء ويدعو الله الرحمة والغفران….وقد أشعل الشموع التي استخلصها من عسل النحل .
هو طمّاع وأنانيّ ومولع بالمظاهر وكل ما زاد عن حاجته من مأكل وملبس ومشرب ومسكن، كأن يقتل فيلاً لأجل نابه ويسلخ نمراً لأجل جلده ويجهز على دبّ لفروه، ويبقر بطن سمكة لأجل (كافيارها).. ويقصف عمر شجرة لأجل خشبها، طلباً للزينة والاستعراض وليس للتدفئة.
يسمّي الفطرة ذكاءً والنطق تميّزاً والإيذاء تسلية والقتل انتصاراً والتغوّل بطولة والكذب تأقلماً والتدليس تدويناً والتدمير حضارة .
يمعن في احتقار شركائه في هذا الكوكب من نبات وحيوان، ثمّ يتشدّق بالديمقراطيّة وازدراء شريعة الغاب…!.
سنّ القوانين ليخترقها أو يحصّن بها نفسه، اختصر الطرق ليعقّدها، أوجد الصورة ليزوّرها والكتابة كي يحرّفها، لكنّ غباءه ورعونته أوصلاه إلى اختراع الأسلحة التي تقضي عليه كل يوم ودون هوادة.
ابتدع الأمراض والأوبئة ثم تباهى بأنه يخترع الأدوية ويكتشف المورّثات مثل السيد(ألفريد نوبل)-رحمه الله وغفر له- الذي اخترع البارود في حياته وجائزة السلام في مماته.
ترى، ما الذي يمكن أن يقوله حيوان أو نبات وهو يتفرّج على بني جنسه يقطع أو يذبح أو يحرق، كيف ستكون (مشاعره) وهو يشاهد هذه(الحضارة ) الإنسانية تتدحرج نحو الهاوية، بل ماذا تقول السباع التي تجوّع لتنقضّ على العبيد المصارعين في مسارح روما القديمة وتحت عيون آلاف المتفرّجين المبتهجين والمتحمّسين… روما التي تتباهى بمعمارها وثقافتها وانتصاراتها.
ما عساها أن تقوله شجرة يقطع غصن منها ليكون فلقة أو عصاً غليظة تدمي ظهر من عصى وشقّ عصا الطاعة في مجتمعاتنا الحديثة.
الحيوانات والأشجار لا تخجل، لأنها لم تقترف الذنوب والخطايا، وحده الإنسان يعرف الندم والخجل والجلوس إلى كراسي الاعتراف ومنح صكوك الغفران، ذلك أنه الوحيد (الشاطر) في اختراع الداء والدواء.
وحدها الكائنات غير المتشدّقة بميزة النطق والتفكير والكتابة قادرة على تعريف الإنسان، ولا أظنّها تفعل، ذلك لأنها تمضي إلى حياتها كل صباح غير آبهة بفذلكة التقدّم والحضارة ، لأنها لا تأخذ إلاّ حاجتها ولا تعادي إلاّ من تربّص بها شرّاً …ولا تفكّر في إنشاء دولة أو دستور أفضل من غابتها .
وحده الإنسان مهووس بابتكار التعريفات كي يقرّ عيناً، ويطمئنّ قلبه القاسي ويضع كل من يدور حوله في الأقفاص والمفاهيم التي شغف بها .
كلمة في الزحام :
وحده الإنسان كائن يتقن طبخ الذين من غير جنسه …. ويتفنّن في إشعال النيران تحت القدور …. والأزمات.