قدرنا أن لا ننسى
قدرنا أن لا ننسى
“في ذكرى النكبة “
ترك بعض الفلسطيين ثيابهم على حبل الغسيل سنة 1948على أمل العودة في اليوم التالي إثر مؤامرة تورّطت فيها كل الأطراف…..بما فيهم الطقس والجغرافيا.
مازالت ثيابهم ناصعة، تنتظرهم رغم الرياح….وعلى مقاسهم تماماً.
إنها الملحمة التي بدأها الكنعانيون وتابعها محمود درويش صاحب (أحمد العربي) ….ويستمرّ فيها شبّان الكوفيّة الخالدة.
وحده الفلسطيني، لا يصاب بفيروس النسيان، لا قدر له إلاّ التذكّر….. ولا أمل له إلاّ في العودة، مثل سندباد جديد مزّقت رياح الآخرين أشرعته.
فلسطين جرح مازال ينزف، ولم تنجح جهود الديبلوماسيين والسياسيين في بلسمته، لأنّه جاء على حين قوّة وغفلة ومؤامرة.
لن ينسى العالم فلسطين ما لم يندثر البرتقال والزيتون والشعر.
لن ينسى العالم فلسطين ما دام هناك حجر وزعتر ومخيمات.
النكبة تسمية ذرائعيّة، أطلقها من تسبّبوا فيها….وكذلك النكسة التي لا تشي إلاّ حجارة. أمّا الإنتفاضة فتبشّر باليقظة والثورة التي سوف تعقبها.
من قال إنّ الرجال الذين وصلوا إلى أطراف الصين شرقاً وبلاط الشهداء غرباً غير قادرين على دحر مجموعة قليلة تؤسّس دولتها باسم الدين وتستقوي علينا …وبغير وجه حق.
الفلسطيون ليسوا مقلاعاً أو حجارة أو غصن زيتون أقتلع من أرضه كما يصوّره الإعلام الهلامي ….إنهم شعر محمود درويش ومعين بسيسو ومسرح القصبة وسينما ميشيل خليفي وإيليا سليمان ورواية إيميل حبيبي ….ورسم مصطقى الحلاّج وغناء ريم البنّا.
تفيد الأرقام –التي يقدّسها الأمريكيون- أنّ أكثر نسبة مثقّفين في العالم هم من الفلسطينيين، فهل ينقرض صانعو المعرفة عبر الأجيال…
منْ منَ العرب وغير العرب لم يدرّسه فلسطيني في الإبتدائي أو الإعدادي أو في الجامعة …فلم لا نقوم للمعلّم ونوفّه التبجيل.
ذكرى النكبة ليست مجرّد يوم نتذكّر فيه أناساً هجّروا من ديارهم وصاروا ضيوفاً لدى دول الجوار منذ أكثر من ستين عاماً ….إنهم يورّثون كلمة العودة لأحفاد أحفادهم….وغداً تصبح الكلمة فعلاً والحلم حقيقة.
لو يعلم العالم أنّ سبب أزماته في القرن الماضي والحاضر هو نتيجة إجحافه في حق الفلسطينيين لتخلّص من كل مشاكله، لكنّ بعض الدول العظمى تستمرّ وتنتعش بفضل الأزمات وللأسف الشديد.
تأسّست دولة إسرائيل على ثقافة الخوف من وعد بلفور إلى شيمون بيريز …ولن تحلّ المشكلة إلاّ في عيادة طبيب نفساني لم يوجد بعد.
صدّر الغرب الأوروبي شرذمة من الصهاينة بقصد حلّ مشاكله الاقتصادية والاجتماعية، وها هو الآن يتحمّل تبعات حماقته فيما يسميه بالإرهاب والحقد الأعمى .
انقلب السحر ضد الساحر وعليه حلّ المشكلة التي بدأ بها، فالحمامة الموهومة التي خرجت من قبّعته يجب أن تعود إليها قبل أن تنقضّ عليها الصقور الفلسطينية.
لم أكن يوما أنظر إلى طبيعة الصراع من منظور عرقي أو ديني أو إقليمي، إلاّ أنّني أجد اليهود اليوم أغبياء وحمقى على عكس ما يتصوّره بعض العرب (الفطاحلة) في تحليلاتهم، فلو كانوا أذكياء لما أنشؤوا دولة خوف مهدّدة بالإنقراض في كل لحظة ولقّنوا أطفالهم ثقافة الحقد والخوف التي ستورّث لأجيالهم (إن وجدوا).
ذكرى النكبة مازالت بطعم الغضب …لعلّه طعم العودة التي اشتقنا إليها كثيراً.
19.05.2014