كتاب الموقعكلمة في الزحام

نحن – معشر الناطقين

نحن – معشر الناطقين .. بلغة (الأسسسسسسسسسسس)، بدل الضاد ,النائمون على كيظهم وجرحهم وغيظهم ومخدّاتهم المبلّلة بالدموع … والأحلام التي لم تتحقّق .
نحن معشر الراكضين خلف قوافل الوهم الجميل، لا يضلّلنا إلاّ ما كنّا نظنّه ( حاديا للعيس ).. وكثبان الاحتمالات المتحرّكة …ومدّعو الفراسة في زمن الوضوح.
ما جدوى أن تفتح جريدة اليوم فلا تجد اسمك أو يومك .. إلاّ في صفحة الوفيات والطقس المتجهّم رغم الشموس الساطعة فوقنا.
….و أبراج اليوم من عشرات الملايين الذين ولدوا وعاشوا وماتوا …وسوف يموتون في مثل يومك، أيها الاسم العربي الجريح. …!؟.
هذه أقدامهم يا صاحب الفراسة، من هنا مرّ الذين مرّوا فوق تاريخك، جعلوه بوصلة لمآربهم …ولم يكونوا يعلمون أنهم ينامون فوق جفنه وهو نائم.
من هنا (وربّما من هناك) مرّ مئات الذين احتالوا على شعبي، فاحتال عليهم التاريخ الذي لم يعد يتخفّى خلف السحب وحقائب الهروب …التاريخ نقيّ كالماء، واضح مثل طلقة مسدّس يا رياض صالح الحسين….أيها الشاعر الصامت مثل فوهة بركان.
نحن كمشة برقم 12 مليون …وبحجم أصابع اليد الواحدة حين تجتمع على الكفّ وهي تصرخ : (لقد صرخت في عروقنا الدماء)….وحين يظنّنا بعضهم مجرّد شباب مشاغبين ومشاكسين.
مرّة أخرى قال شعبي هنا (لا)، فاستجاب القدر، مرّة أخرى تضفر (الخضراء) شعرها، تعيد تمشيطه على هدير أبنائها…..ومرّة أخرى لم يتأخّر التاريخ ثانية واحدة عن الموعد….لأنّ الأيادي المرتعشة لا تقوى على البناء.
نحن لم نقترف شيئاً، سوى أنّنا جئنا في الموعد …..وقلنا للياسمين:(شكراً لأشواكك). سامحونا على موتنا وموتانا يا طغاة العالم، لن نعيدها مرّة أخرى، خاطبوهم من تحت بنادقكم،  ربما يقولون لكم يوماً – وبكلّ ما أوتي إليهم من أما: (عفواً، لم نكن نقصد ذلك).
سامحونا على صدورنا المكشوفة ، بطوننا الغاضبة …وعقولنا التي ما تنفكّ على العمل….سامحونا على كلّ رصاصة لم نردّها إليكم ….سوف تأخذونها ذات يوم….وبإذنه تعالى، يوم الحساب.
سامحوا طفلاً قال لأمّه يوماً سوف أعود بعد قليل …ولم يعد، على إثر سبابة فوق زناد….عاد مضمّخاً بالياسمين.
عذراً يا الله ، إنّا نحب ّ الحياة التي لا يمكن لها أن تمشي إلاّ فوق بساط أحمر، مثل أميرة حقيقيّة.
عفواً يا شعبي العظيم، لا تصدّق موسوعة (غينيس)، أنت أكثر الشعوب صبراً في هذا العالم، لا تصدّق خرافة طائر الفينيق، أنت أروع من يستفيق من رماده في هذا العالم …لا تصدّق غير زلات لسانك في حالات الضيق والارتباك …وما بالغ الحكواتي من رواياته في لحظة حلم..
أنت أيها الشعب المهووس بصيغ التمييز و التفضيل وكلّ ما كان على وزن (أفعل) من التي علّموك إياها في المدرسة …اعلم أنّ أجمل قبّعة في التاريخ هي قبّعة (غيفارا)، وأنّ أروع صرخة لبّاها التاريخ هي (وامعتصماه) …وأنّ أحنّ أمّ في التاريخ هي تلك التي قالت لابنها في حسرته: (ابك كالنساء ملكاً مضاعاً، لم تحافظ عليه كالرجال)، ضمن أطول ليلة في غرناطة.
اعلم أيها العربي أنّ أفضل (الروزنامات) هي تلك التي تفتح من خلفها ….وأنّ التاريخ هو ذاك الذي يجب أن تغيّره ولا يغيّرك….لا ينبغي له أن ينفصل على الجغرافيا….
كنت أسكن دمشق يوم 14 يناير 2011، وسمحت لنفسي بالحديث عن بلدي دون تلكؤ أو ارتباك أو استدراك، ولطالما تحدّثت عن بلاد الآخرين ….قلت اسمحوا لي مرّة أن أقول (إني من تونس)…من بلد يتصدّر شاشات المواقع الإخباريّة في أيام عصيبة يتوحّد فيها التوجّس بالابتهاج.
إنّه بلدي وشعبي في لحظات خوفه على فرحه التي يمكن أن يسرقها منه السارقون.
إنه بلدي الذي علّمني حبّ كل الأحرار في غربتي …..حتى كاد يجعلني أغفر وأصفح …وأتسامى على الحسابات الضيّقة .
قال شاعر تونسي عبر حنجرة وعود رضوان رجب السوري رحمه الله :
(وحيد أنا بينكم
فاقتلوني…ولي في البعيد بلاد تشاركني وحدتي فاقتلوها
قديم ، أنا بينكم
كالعذاب، ككلّ الذين انتهوا عنباً في التراب…ومسألة في العيون).

كلمة في الزحام: سمعت أنّ أحد رجال الأعمال عرض شراء عربة محمد البوعزيزي في تونس مقابل عشرة آلاف دولار …مازال ينتظر ردّ أسرته الصغيرة….ولكن، هل فكّر في ردّ أسرته الكبيرة – من المحيط إلى الخليج-  ومن كل بلاد الذين ولدتهم أمهاتهم أحراراً….لن يجعل أحرار العالم وأحفاد (محمد علي الحامي) و (فرحات حشاد) عربة محمد البوعزيزي في بورصة المزاد السياسي ….سوف يخضرّ خضارها وتزهر فاكهتها على الدوام….إنها أغلى عربة في التاريخ أيها (الغينسيون) العرب.

13.01.2014

بوابة الشرق الاوسط الجديدة 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى