كلمة في الزحام

كل أسمائنا مثيرة للسخرية

أسامة، مهندس تونسي في الخمسين من العمر ويقيم في مدينة زوريخ السويسرية، أقام دعوة وربحها ضد رجلي أمن كانا قد سخرا من اسمه وهما يدققان في جواز سفره عقب أحداث 11سبتمبر2001، وما سببته تلك العملية الإرهابية من إجراءات أمنية صارمة في مختلف مطارات العالم.

ويعلق حبيب (صديق أسامة ويعمل محاميا)، بأن القضاء كان محقا وعادلا حين حكم لصالح أسامة، وذلك بسبب الضرر المعنوي الذي خلفته سخرية رجلي الأمن من اسم “أسامة” لارتباطه بالزعيم الإرهابي المعروف. ويضيف حبيب حول قضية بعض الأسماء وما يمكن أن تسببه من أتعاب لحامليها بأن اسم ” أسامة” عادي وسلس بل وجميل في نطقه ومعناه، لكن غير العادي هو محدودية تفكير رجلي الأمن الذين سخرا منه، ولو كان زيد أو عمرو من الناس قد قام بتلك العملية الإرهابية لكانت النتيجة واحدة، فالمشكلة إذن ليست في الأسماء بل في العقليات المريضة التي تتصرف بطريقة سطحية وحمقاء.

اختيار اسم المولود حرية شخصية ومسألة ذات خصوصية لا يمكن أن تتدخل فيها لا سلطة دولة ولا سلطة مجتمع أو حتى فرد، طالما لا تحمل طابعا استفزازيا أوعدائيا أو عنصريا، وحتى هذه الحالات تبدو نسبية. وهذا الأمر يستبعد حصوله، إذ ليس من العقل أن يتخذ الواحد من اسم ابنه أو ابنته وسيلة للاستفزاز إلا إذا كان يعاني من مرض نفسي.

المجتمعات المنغلقة والحكومات المتخلفة وحدها، هي التي تتدخل في خصوصيات الأسماء وحرية إطلاقها من طرف الأهالي والأولياء، فما تراه أنت شذوذا وغرابة قد يراه غيرك حالة عادية بل ويفتخر بها ويعتز، ذلك أن الأسماء هي مسألة لغوية صوتية بحتة.

إذا كتب كل فرد في هذا العالم اسمه على التطبيق الالكتروني لقاموس مختلف اللغات، لوجد معنى اسمه غريبا أو مضحكا أو طريفا في لغة أخرى من هذا العالم الذي ينبغي فيه للجميع أن يقبل بالجميع.

كل أسمائنا قد تكون مثيرة للسخرية أو حتى الاشمئزاز في لغة ما من لغات هذه الأرض، فهل من اللائق أن نسخر من هندي اسمه ” الرقص مع الذئاب” أو أفريقي اسمه ” التمساح المبتسم” أو أوروبي اسمه ” بول”؟

قمة العنصرية والتخلف أن يؤخذ الناس على أسمائهم ويحاكمون بسببها فلا شك أن كل أب أو أمّ أو كافل أو متبنّ قد سمى هذا الطفل بمنتهى الرضا والسرور والزهو، لذلك وجب احترام جميع الأسماء مهما كانت غرابتها في نظر فئة من الناس.

ما تسببه أسماء معينة من بعض الإحراج هو ليس بسبب الأسماء في حد ذاتها بل بسبب الظروف والحيثيات والملابسات المحيطة بهذه الأسماء، فهل على الواحد أن يكون متنبئا بمجرمي وسفاحي المستقبل حتى يختار اسم مولوده الجديد.

إن من العار على الشعوب والحكومات أن يؤخذ الواحد على اسمه، وهو أمر يمثل قمة الانحطاط التي يمكن أن تصلها البشرية، لكنه ـ وللأسف الشديد ما زال قائما وها هي الأنباء تتحدث هذه الأيام عن قائمة بالأسماء المحظورة في الصين داخل ولاية هوتان، وجرى تعميمها داخل شنغ يانغ، الذي يبلغ عدد سكانه من المسلمين نحو 10 ملايين نسمة

وأعلنت منظمة هيومان رايتس ووتش، أن هذا الحظر الذي وصفته بالسخيف، يشكل جزء من مجموعة من القوانين العنصرية الجديدة التي تفرض قيوداً على الحرية الدينية باسم التصدي للتطرف.

وأعلنت صوفي ريتشاردسون، مديرة شؤون الصين لدى هيومان رايتس ووتش، أن هذه السياسات تشكل انتهاكات صارخة لمواثيق داخلية ودولية تعنى بحقوق الاعتقاد والتعبير.

ولماذا الذهاب بعيدا نحو الصين، فهذه دول كثيرة في العالمين العربي والإسلامي تقمع حرية تسمية المواليد بذريعة أنها ليست من الأسماء المسلمة، وهو أمر غاية في الجهل والتخلف، إذ لا يعلم هؤلاء المشرفون على دوائر الضبط والتسجيل في الحالات المدنية والنفوس، أن اسم جورج مثلا هو نفسه خضر، وجوزيف هو يوسف، وجاكوب هو يعقوب ومرقص أو ماركس هو امرؤ القيس وغير ذلك من الأسماء العابرة للحدود والعقائد والأيديولوجيات.

أمر آخر ينبغي الالتفات إليه، وهو أن دولا كثيرة في العالمين العربي والإسلامي تعقد أمر رفع الدعوات من أجل تغيير الأسماء، وتدعي أنها تفعل ذلك بدواعي أمنية وغيرها. وتغيير الاسم هو بدوره يدخل في حرية إطلاق الأسماء، فما بالك بصاحب الاسم نفسه إذا أراد أن يغير اسمه؟

حرية إطلاق الأسماء على المولود، أمر تكفله كل القوانين، ولا تضع له شروطا إلا في ما ندر وفيما اتفقت عليه البشرية والمجتمعات الحديثة بالبند العريض، ولأسباب واضحة ومعروفة، ذلك أنه ليس من الأخلاق أن يسمي الواحد ابنه باسم مركب صريح مثل ” أدولف هتلر” أو ” أسامة بن لادن”.

بوابة الشرق الاوسط الجديدة

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على الفيسبوك

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على التويتر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى