فن و ثقافة

كنكنة قصصية سورية: أساليب متنافرة، والهاجس واحد!

كنكنة قصصية سورية: أساليب متنافرة، والهاجس واحد!.. هناك قاعة صغيرة تتسع لأكثر من مائة وعشرين مقعدا في الطابق الأرضي من مكتبة الأسد في دمشق، هي القاعة التي احتضنت النشاط القصصي على هامش معرض الكتاب الثامن والعشرين، وكان الرهان أن معرض الكتاب سيكون هشا وخطرا لأنه تحت مرمى قذائف الهاون التي تأتي أحيانا من الغوطة الشرقية مستهدفة ساحة الأمويين التي تتواجد فيها المكتبة، وبالتالي سيكون مغامرا كل من يعمل على حضور معرض كتاب أو أمسية قصصية فيه.

على طاولة أحد المقاهي ارتفع الصوت، وقال أحد المثقفين إن معرض الكتاب محكوم بالفشل، فليس هناك كتّاب ولا كتب ولا يحزنون..السوريون بحاجة هذه الأيام إلى ثمن طعامهم ولا تشغلهم الثقافة أبدا !

هكذا كانت الصورة، وربما تكون واقعية، ولكن الحروب عادة ما تكسر من خلال أغنية أو قصيدة أو لوحة، أو ربما رواية جديدة تكسر حاجز السأم لقرائها، وهذا مالم يحصل طيلة السنوات التي مرت من الحرب ، بل ذهب جزء من المثقفين خارج البلاد وبقي جزء فيها، وهؤلاء وأولئك لايمكن لهم حتى أن يتساجلون على الفيس بوك!

احتشد أكثر من عشرين كاتبا قصصيا على مدار أربع أمسيات على هامش نشاطات معرض الكتاب الذي افتتح بعد غياب طيلة سنوات الحرب التي مرت . كان الاتجاهات السياسية لهؤلاء المجتمعين متنوعة، بين المعارضة والموالاة وبين المتشنجين والمرنين، وبين المعروفين والمغمورين .. وكان السؤال عندما ظهرت بطاقات الدعوة : ماذا سيقرأ هؤلاء، ومن سيسمع لمن ومن سيأتي إلى تلك القاعة الصغيرة ؟!

وكان الجواب واحد : لابد من إقامة أيام القصة .. هي خطوة مهمة.

يومي الاثنين والثلاثاء 29 و30 آب 2016 تدفق المشاركون، وجاء جمهور متنوع ، وكانت القاعة تمتلئ ثم تفرغ مقاعدها ثم تمتلئ من جديد ، والغريب أن القصص جذبت الحضور. قرأ هزوان الوز وحسن م.يوسف ومالك صقور في الساعة الأولى، ودبت الحيوية سريعا بين الجميع وتحول اللقاء إلى لقاءات على هامش القصص .. قرأ يوسف الأبطح وفلك حصرية ونهلة السوسو، ثم جاءت الجلسة الثانية بعد أن طالت الفترة المخصصة للجلسة الأولى بسبب النصوص القصصية الطويلة .

في الجلسة الثانية قرأ أيمن الحسن ونجاح ابراهيم وحسن ابراهيم الناصر ورياض طبرة وسعاد القادري ..

في اليوم التالي ، كان هناك جلستان أيضا ، وفيهما كما ورد في الجدول نصر الدين البحرة وأنيسة عبود ةغسان كامل ونوس وعدنان كنفاني وعماد نداف .. و فيالساعة الأخيرة قرأ القصص كل من الدكتور نضال الصالح والدكتور حسن حميد والدكتور يوسف جاد الحق وعلي المزعل وحسين الرفاعي وسهيل الذيب ..

لم يكتف المنظمون بهذه التظاهرة فقط . كان هناك تعقيبات نقدية شارك فيها الدكتور عاطف البطرس والدكتور اسماعيل مروة ونذير جعفر والدكتور نضال الصالح ..

أنصت الحضور لقصص كثيرة ، فكانت أيام القصة القصيرة السورية بمثابة ((كنكنة)) في قلب الحرب . افتقد الجميع إلى الأنشطة الكبرى التي كانت تعرفها دمشق . كان القصاصون يأتون من كل مكان ليقرؤون قصصهم على السوريين . الحرب غيرت كل شيء، فهل تستطيع ((الكنكنة القصصية )) أن تعيد الحياة للنشاط الثقافي على هامش معارض الكتاب ؟!

الجميع كانوا متفائلين !

دة شويكان كتبت عن خذه الكنكنة تقول ((اتخذت الجلسات طابع الإصغاء إلى القراءات القصصية والتعرّف إلى أحدث نتاجات القاصين مما ضيّق المساحة للقراءة النقدية، والتي برأيي يجب أن يكون لها الحضور الأكبر لأهمية الآراء النقدية في إغناء المشهد القصصي..))

وتوقفت عند القراءة النقدية الأولى للدكتور نضال الصالح الذي طرح مفهوم المؤتلف والمختلف بين هذه النصوص المقروءة، ليتوصل إلى أن المؤتلف فيما بينها هو الجرح السوري النازف، فعبّر كل قاص بطريقة سردية مختلفة عن الآخر، وأوضح أن ثمة مختلفات كثيرة بين نصّ وآخر، وعلى الرغم من المؤتلف المشترك السردي الحكائي وعلى نحو أدق المشترك الدلالي، فكل نصّ يتميز بشيء..))

وكتب محمد خالد الخضر عن القصص ملخصا مختصرا أوضح فيه أن الدكتور هزوان الوز ألقى قصة بعنوان “كوكب وحيد الظل” ((انتقد فيها العادات والتقاليد بشكل فني شائق جعل الحدث فيه متحولا وفق العاطفة الإنسانية الدالة على موقف وطني طال خلاله العادات السيئة ووسائل التعامل المغلوط مع الدين والمرأة لافتا إلى ضرورة الأمانة والوفاء ليصل إلى نتيجة حتمية تهدف إلى المحافظة على الوطن الذي تعرض لمؤامرة خطيرة نتيجة أهميته ولخص القاص الوز بمهنية عالية كل تداعيات التآمر الكوني على سورية وحضارتها دون أن تتفكك أسباب وأسس القص في قصته. على حين ذهب القاص حسن م يوسف في قصته “بحر أوغاريت” لإظهار جماليات الحضارة السورية وعراقتها خلال حديثه عن اوغاريت وعاصمتها رأس شمرا التي كانت كما رأى أهم من البيت الأبيض وفيها أقدم أبجدية تاريخية.

وفي أسلوبه الساخر رفض يوسف كل تصرفات الولايات المتحدة تجاه السوريين والتعاطي مع ما تحاول أن تقدمه لخدمة أغراضها التي تؤدي إلى دمار العوالم الأخرى.

وكانت قصة الأديب مالك صقور “الطعم والسنارة” قد كشفت عن الكثير من الايجابيات والسلبيات الاجتماعية للشعب السوري بأسلوب قصصي رهيف وشديد العاطفة قسم منه الذي انتمى لوطنه ودافع عن شرفه والثاني الذي خان وباع كرامته من خلال “عائشة” بطلة القصة التي فضلت الوطن على زوجها وأبنائها)).لتداعيات السلبية جراء تعرضها للاحتلال الصهيوني.

ونقلت وكالة سانا السورية عن الناقد نذير جعفر قوله : “تعددت اشكال القص والفن والتقنيات فمنها ما تقمص اسلوب المتكلم واهتم بتجربته الذاتية والانا السردية ومنهم من ربط وقائع جرت بمجتمعات أخرى وصولا إلينا وثمة نمط اخر عند ونوس الذي ربط بين الماضي والحاضر ليصل الجميع الى خدمة الوطن والمجتمع”.

وتلت القراءات الثلاث مجموعة ثانية من الكتاب قال الناقد الدكتور اسماعيل مروة عنها : “تدل قصة نفق لسهيل الذيب على مهارة لغوية واهتمام بالحدث واعتماد على الوصف أما النسر لـ حسين رفاعي فظهر فيها الوصف اكثر من الاسس القصصية الأخرى بينما جاءت قصة حسن حميد غاية في التركيز على حدث لم تخرج منه فهي تحمل صورة جميلة للبحث عن الحياة”.

وأضاف مروة “من المآخذ على قصة يوسف جاد الحق السرد الطويل لموضوع القصة وعلى نقيض ذلك قصة الانتظار لعلي المزعل والتي كانت محاولة لاختصار سنوات طويلة دارت فيها ارهاصات اجتماعية كثيرة ودخل فيها بعض الحشو”.

واعتبر مروة أن النصوص التي ألقاها الدكتور الصالح احتوت شغفا كبيرا وحبا لمدينة حلب وحملت عددا من الشخصيات الادبية والتاريخية مثل المتنبي وسيف الدولة الحمداني وضمت كل الأطياف الاجتماعية كما اهتم فيها المؤلف بالحدث والعاطفة والتكوين النفسي الدال على أهمية الانتماء الوطني.

بوابة الشرق الاوسط الجديدة 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى