كتاب الموقعكلمة في الزحام

لكل سؤال كبوة

لكل سؤال كبوة  ..ولأنّ الحقيقة تدعو للتثاؤب دائما, مثل محاضرات علماء الجيولوجيا عن الكواكب والأقمار.
ولأنّ الواقع درس مملّ في تشريح الورود وكيمياء العطور وأحماض(الأدرونالين)…
فإنّي قفزت لتوّي من أسوار المدرسة وهرّبت معي هذه الوردة إليك , قبل أن يسفك عطرها في أنابيب المخابر ويستباح سرّها تحت المجاهر…كذلك هذا الفأر الأبيض الجميل.. قبل أن تجرحه مباضع البحث عن الحقيقة الباهتة.
ولأنّ الحقيقة مسطّحة مثل نكت السمجين فإني قد اخترت أحراش الكذب..فأنا غالبا ما يسعفني الكذب قبل أن تتمكّن منّي الحقائق.
تعالي,اتبعيني قليلا,سوف أريك وردة بريّة مسحورة ,تروي قصّة كلّما أغمضت عينيك .تتلوّن بلون شفاهك وتفوح بعطر أنفاسك….إن لم يعجبك الأمر فبإمكانك أن تعيدي تسريح شعرك وإصلاح زينتك.. ثمّ تعودين إلى دار طاعة الحقيقة المتغطرسة .

إليك بعض ما روته لي الوردة وأنا لم أغمض منّي سوى عيني:

قالت حبّة القمح المنخورة للأعور الكيّال:
شكرا لاختيارك ….شكرا لعينيك المتخاصمتين.
شكرا للسوس الذي دبّ في عروقي ونهشني مثل حبّ أعمى.
شكرا للذي سوف يطحنني مثل الحنين ,شكرا لجدّتي التي أحالتني –وبقدرة قادر-إلى عشر سنابل ..ثمّ أودعتني قبضة حصّاد مستعجل …
شكرا للحصّاد الذي سلّمني لرطوبة انتظارك…لسوسة تأكلني مثل ساعة في معصم الغريق.
***
قالت الشفتان للكأس :أنت تفرّقين بيننا مثل نميمة, تقطعين حديثنا مثل شهق ة,تفصلين وتباعدين بيننا مثل انتظار أو مفتاح أو نوم أو …مغلّف رسالة.
ردّت الكأس: لكنّني-وبحقّ الذي يجمع بين زجاج وشراب-…ألم أقرّب بينكما مثل صدفة..مثل وجع بين غريبين …!؟.
***
قالت بقعة الدم لبدلة الشهيد :ها أنا ذا أعيدك إلى لونك ,ألبسك من جديد, أخرج منك إليك, وأقول لرتل الرصاص المخالف لحركة السير:(قف)…إنّ البرتقالي سوف يضيء بعد قليل..
أنا وأنت أيتها الخضراء كفن للذين يترجّلون هنا.
الأزرق للغرقى والأبيض للذين يغادرون فوق أسرّتهم.
أمّا الأفق فكفن- وبكلّ الألوان- لقطاّف الشمس وحرّاس التيه الجميل.
***
خاطبت العنكبوت دودة الحرير بتأفّف: ما هذا البطء..!
ردّت الدودة المتشرنقة في كفنها الحريري :كان عليك أن تقولي :(ما هذا الإتقان..!, يا صاحبة أهون البيوت والخيوط.. يا قاتلة الأزواج).
-العنكبوت: مسكينة أنت, ما زلت تعتقدين أنّ في التأنّي السلامة وفي العجلة الندامة…شتّان بين نسيج كمقبرة وأخر كمصيدة…بين عنوسة قاتمة وترمّل أسطوري.
******
الدمع تين برّي تفرج عنه محاجر العيون التي لا تكتفي بالنظر
يستوي تحت الليالي المقمرة والشموس الصريحة في مواسم الجفاف.
الدمع عديم الملامح, لكنّه يأخذ سخونته من الخدّ , ملوحته من اللسان ,شفافيته من الذي يقدّره… ونقاءه… من الذي يقف خلفه.
الدمعة تينة بريّة ,أمّا العين فقشرتها السوداء وعباءتها الأخيرة.
***
غبيّة وحمقاء تلك الإبرة التي طرّزت عباءة التاريخ وتختبئ الآن في كومة القشّ ظنّا منها أنّنا سوف نكلّف النفس عناء البحث عنها..!
ألا تعلم الإبرة- ذات العين الواحدة- أنّ تلك العباءة أصبحت اليوم تغطّي كومة القشّ وتحميها من الريح والمطر والنار والتلف.
***
سأل المدرّس تلاميذه في مدرسة للصمّ والبكم :(كيف يبلّغ الواحد منكم حبيبته المكفوفة بأنّه يحبّها دون الاستعانة بأحرف (براين) النافرة؟)
استهجن أحدهم السؤال ثمّ عقّب بإشارة استغراب :(إذا كانت فعلا حبيبتي فلماذا أذكّرها بحبّي..!؟ ).
***
كانت مفردة(المصارحة) تقف على طرف اللسان مع زميلتها مفردة (المنافقة) وتتجاذبان أطراف الحديث.
قالت الأولى للثانية: لماذا تسبقينني للخروج في كلّ مرّة؟!
ردّت الثانية: أنت التي تدفعني من خلف ظهري وتلقي بي في المواقف الحرجة وأمام شخصيات السطوة والنفوذ….كم أنت صريحة في النفاق والمجاملة …
***
أمسك القطّ بالفأر بعد طول عناء, قال الأخير لعدوّه المزمن : ( لنتحاور قليلا قبل أن تفترسني)
قال القط , هات ما عندك  (ok) –
لماذا أنت تطارد كل من هو أصغر منك…جرّب مع الفيلة مثلا, إنها تشبهني في الشكل. –
– حاولت وكدت أن أدهس تحت أقدامها دون أن تبالي بمخالبي ولا تنتبه حتى لوجودي
– طيّب ما رأيك في هذه اللعبة
– ما هي؟
أنا أركض مسرعا وأنت تطاردني…هيا لنبدأ من جديد.-
…لننطلق.Ok –

بوابة الشرق الاوسط الجديدة 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى