من هو الإنسان ؟
من هو الإنسان ؟ لم يعلمني احد أن أهتم بالخلوة مع النفس كرياضة روحية مع إننا ولدنا و ترعرعنا في بيت صاخب ، و حين إشتد عودنا لم نلبث أن انغمس جيلنا في عراك النضال الوطني ضد الإحتلال الأجنبي ثم ضد الحكومات الوطنية الرديئة بعد الإستقلال ، وهكذا مرّ العمر كلمحة و نحن ما نزال غرقى في دوامة الحياة اليومية فتكاد لا نخلوا إلى أنفسنا إلا وقت النوم أو المرض غير أن ذلك ليست الخلوة التي أعنيها من هذا الحديث وهي الفسحة الصافية من الزمن التي نكون فيها بكامل وعينا لا يشغلنا فيها شاغل سوى الإخلاد إلى الصمت و التأمل و التذكر..
هذه الخلوة النقية للجسد والروح لم تسمح لنا بها أساليب تربيتنا ، ولا ظروف حياتنا وحين كنا نحظى بها أحيانا لم نكن نقدرها حق قدرها بل نختصرها مستسلمين لإغراء العادة التي إستعبدتنا وهي إعادة المشاركة في الضجيج البشري القادر على أن يسرق منا ألطف مشاعرنا و أرق انفعالاتنا وأنقى تأملاتنا فلا يبقى لنا سوى الشخص الصاخب المأخوذ بضجة الحياة التي لا تسمح لنا جيدا بالتركيز على النشاط الروحي الثقافي .. و بهذا المعنى لم نكن نهتم بعمق أن نفهم فعلا أن الحياة الحقيقية ليست سليمة من الصخب الذي ينأى بنا عن فهم المعنى الحقيقي للثقافة الحيوية كي نتخبط في نقاش أقرب إلى الضياع الإنساني منه إلى النشاط الروحي بكامل نضجه .. و ياله من ضياع لا يهدف حقا إلى خلق الإنسان الذي لا يشبه الحيوان …