أنسام صيفيةكتاب الموقع

من هو الفنان حقا ؟!

من هو الفنان حقا  …تكتسب الفنون العريقة كالقصيدة العربية أصالتها من خلال الخصوصية التي تتمتع بها التجمع البشري في بيئة محددة مكانا وزمانا ، فإذا فحصنا قصيدتنا العمودية بهذا المنظار فلا بد أن نضع في حسباننا البيئة ، ونعني بكلامنا هذا أنها بيئة ذات تاريخ عريق ضارب بعيداً في الزمن لم يكن التصحر هو السمة الغالبة على تلك البيئة . إذا تشير الأبحاث الأركولوجية إلى أن هذه البيئة الجغرافية لم تكن صحراوية تماماً في ماضيها القديم وأن المناخ كان يعكس طابع الأرض الخضراء . حيث نشأت حضارات هامة مثل ” مملكة سبأ ” في الجنوب اليمني ، هذه العراقة التاريخية هي التي تفسر في تصورنا رقي القصيدة العمودية من حيث نظامها العروضي الثري في نوعيته والذي لا يمكن أن يتوحد و يتكامل بالشكل العروضي المعروف إلا في ظل الإزدهار الحضاري الذي يوفره الإستقرار والتقدم والتواصل الفسيح والدائب بين أطرافه في ممالك راقية مندثرة .

لقد ثبت حتى الآن أن تطور الفنون لا يعني التغيير بمعناه المطلق ففي اليابان مثلاً توقف بيع دواوين الشعر بعد تغلب أمريكا  في الحرب العالميه الثانيه عسكرياً وحضارياً وثقافياً إذ لم تعد دور النشر والمكتبات في إصدارها دوواوين الشعر تحافظ مثلا على نظام ” الهايكو” الياباني العريق في القدم والخصوصية التي تتميز بها في مقاطع قصيرة ذات هندسة شكلية من سبع جمل أو أكثر بنسبة محدودة و متفق عروضياً عليها للجماهير التي أحبتها وقد تعودت على نظامها العروضي عبر التاريخ العريق في القدم ونوعية التذوق الجمالي الموجز جدا في القصيدة الواحدة…

مما جعل دور النشر و مكاتب البيع تعاني من كساد المجموعات الشعرية الحديثة، المنظومة بشكل نثري حر كما لدى الشعر الأمريكي أو الأوروبي الذي ألغت فيه الحداثة نظام المقاطع الصوتية المتقاربة مما جعل الجماهير الواسعة هناك تقاطع دوواوين الشعر المحدث – كما أخبرني صاحب مجلة مشهورة ومختصة بالشعر أجتمعت به في باريس وشكا لي من كساد الشعر الحديث نشراً و تذوقاً – مما دفع دور النشر المصرة على إلغاء نظام المقاطع الصوتية موسيقيا و على عوده معظم الشعراء الناجحين في العودة إلى نظام المقاطع بعد أن ساد النظام النثري فترة زمنية لم تطل كثيراً في أوروبا …

لقد أثبتت الفنون بكل أنواعها في العالم أجمع أن عملية الإبداع الجمالي لا تشبه مثلا الإبداع في الإختراعات العلمية والأنشطة الإقتصادية والطبية والصحيه مثلاً ، حيث تخضع إلى التطور و التغير شبه التام في عملية التغير التقدمي …

إن الشعر والموسيقا والرسم والنحت والرقص وغيرها من الفنون متميزة في نجاحها على أنها إبداعات عريقة في خصوصيتها وأن جمالها العريق لا يزول تقريباً زوالاً تاماً بل يتطور بأسلوب يحافظ حتى على الأزياء في اللباس والغناء والرقص والتمثيل المسرحي السينمائي،  وأن تطور هذه الخصائص والأنشطة الفنية ذات جمال يزداد في تنوعه ومستواه الجمالي وليس في التخلي عنه تماماً كما لدى شعراء ومطربي وموسيقي هذا الزمان كما يصنع بعض الممارسين في فنونهم و الذين يتخلون عن خصوصيتهم القومية في إبداعهم الفني كأوروبيين أو أمريكيين و ….لا…أبدا…

الابداع الفني الجميل هو الإبداع الذي يمثل الشخص الذي أبدعه أو الأمة التي ينتمي إليها الفنان…

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى