نوافذ

هاملت… عصور وسطى

قدم طلاب المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق عرض تدريب بإشراف الأستاذ في المعهد الفنان غسان مسعود، ولكن لم أرَ شكسبير، ولم أتعرف على هاملت.

المسرحية هي هاملت لشكسبير التي كتبت عام 1601 وأخرجها ومثّل فيها شكسبير نفسه في ذلك العصر الإليزابيثي المليء بدراما شائعة عن الانتقام والدسائس والملوك الذين يجري بين أصابعهم وتحت أرجلهم الفساد والمؤامرات والدماء.

ومنذ أربعة قرون وهاملت يتردد في كل مسرح وفي جميع أنحاء العالم، بصرخته لنفسه، وهو يتأمل الشر الشمولي الذي يفتك بأرواح البشر: “نكون أو لا نكون، تلك هي المسألة”. وما من عرض لمسرحية شكسبير هذه إلا  وحاول معدّوه ومخرجوه أن يقرأوه، مجدداً، بصورة ناجحة أحياناً وفاشلة أحياناً أخرى، هذه المسرحية التي تعتبر أطول مسرحيات شكسبير، والتي وصفها هو نفسه في تهكم: “إنها مسيرة ساعتين على المسرح”. والحقيقة أن معظم القراءات أو كلها كانت ترمي إلى جعل التراجيديا الشكسبيرية، الآتية من صقيع أوروبا العصر الوسيط، قابلة للتفاعل مع المتفرجين مختلفي المشارب والأذواق والمرجعيات الأخلاقية. لأننا بدون هذه المحاولة لأشاعة مناخ التجربة الإنسانية، في لحظتها الفجائية، لا نستطيع سوى تقديم شكسبير على مسرح شكسبير.

وهاملت يبقي هاملت متردداً بين الفكرة والفعل. بين العاطفة والعقل، بين الأمر الصادر إليه من طيف أبيه المغدور في كابوس، وبين واقع مملكة اعتلى عرشها عمه متزوجاً والدته، بعد شهر واحد فقط من ترمّلها.

ثم أن قراءة “هاملت”، تحديداً “هاملت”… قراءة في ضوء محليات صراع البلاطات (السلطات) العربية.

كان عرضة، في أحيان عديدة، للابتذال. سواء تعرض المعدّون لتحريف النص، أو لعبوا بلغة ومضمون الحوار، أو قرروا نهايات مختلفة للمسرحية. وهي مشكلة برزت  دائما في وجه المخرج العربي لنص هاملت.

وكما يقول لوكاش عن سبب الجلوس في مقاعد المسرح التراجيدي: “نحن نذهب إلى التراجيديا لكي نحصل على تجربة، لا لكي نستخدم تجربة” وذلك معناه ببساطة، أن أحداً منا لا يستطيع أن يفترض تماهيه كلاوديوس أو أوفيليا أو غرترود. لأن الحد الأقصى لاحتمالات التراجيديا في الواقع اليومي لمتفرج عادي، لن تكون هاملتيه… وإذن فعلى المسرحية ـ الفرجة، بمتعها الجمالية والأخلاقية، أن تعطي الجمهور عطشه إلى النصر، وأن تستفز حسه الأخلاقي. فالانتصار على الشر أو الانتقام ممن جعل الخير الأعزل، المغدور والجميل غير ممكن في عالم المؤامرات والخسة البشرية …يعتبر المسعى الفني لكل أنواع الدراما.

وأيضاً، سيكون على المخرج أن يحرص، في الوقت نفسه، على روح الدراما المنتمية إلى نص شكسبيري، وروح الشعر والقول الشعري فيها. لكن التحوير في المعاني والمقاصد والأهداف، كان غالباً على ما يسمى إعادة إنتاج النص، وتقريبه، قدر المستطاع من أفكار البيئة الاجتماعية، حاضنة الاحتمالات الفكرية.

مثلا…لقد غير الشاعر السوري ممدوح عدوان مسرحية هاملت جذرياً، ليس بتغيير العنوان فقط “هاملت” إلى “هاملت يستيقظ متأخراً”. وكان التغيير في البنية الدرامية للشخصية الرئيسة هاملت…حيث كانت مأساته عند ممدوح هي في عدم التصرف في الوقت المناسب، وتجاهل كل ما عرف هاملت ورأى وأحس بصورة مبكرة .وبهذا يكون هاملت في سياق بيئوي انتهازي الصفات، ومساوم المواقف وضحية نفسه لا مؤامرات سواه .

ولأن مسرح شكسبير شعري، فقد أراد ممدوح أن يشعرن النص المسرحي في الحوار حيث تبدأ المسرحية بما يدل على طريقها الفكري، الجوقة تنشد:

“في الزمن الآيل للنسيان

يختلط الحابل بالنابل

يكبر في العتم الخصيان.

وفوق الجسد الهالك، تبنى ممالكها الديدان

تهزك رياح العيش الذابل… فيسقط منك الإنسان”.

إن رؤية شكسبير غير قابلة للعب عليها بتحويل أمزجة وبنيان الأبطال التراجيديين. وما هذا النص الشعري للجوقة، في مسرحية عدوان، سوى ترويض المتفرج على استقبال هاملت عربي فصاحته بعيدة عن الروح الشكسبيرية .

 

بوابة الشرق الاوسط الجديدة

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى