هل تخط الأقدام ما عجزت عن كتابته الأقلام
هل تخط الأقدام ما عجزت عن كتابته الأقلام .. أرسين فينغر، المدرب الفرنسي الإشكالي، والذي يتقن لغات عديدة وقاد انتصارات كثيرة لعدد كبير من فرق العالم، قال كلمته بمنتهى الحسم “يجب أن تصنف كرة القدم كنوع من الفن”.
نعم، إنها فن آسر، تتوفر فيه كل عناصر الفرجة، وهو الأكثر جماهيرية على وجه البسيطة، بدليل “المهرجانات” التي تقام له على المستوى المحلي والقاري والعالمي، وكذلك النجوم الذين يخطفون الأضواء ويهزون المشاعر والمدارج، وحتى الأسواق المالية.
الفوتبول فن تتقرب منه جميع الفنون الأخرى بل تسير في فلكه كالمعرض الذي أقيم أخيرا في العاصمة القطرية التي سوف تحتضن مونديال العام القادم، ويحتوي لوحات تصور أجواء المنافسات المحتدمة في المباريات النهائية، وتعكس لحظات الفرح بالانتصار، أو خيبة الأمل جراء الهزيمة، سواء بالنسبة للاعبين في الميدان، أو الجمهور في المدرجات، مما يضع زوار المعرض في أجواء المونديالات السابقة الحماسية، بما في ذلك لمحة عن أجواء المدن التي احتضنت المنافسات ومعالم تعكس حضارات وثقافة شعوب تلك الدول.
هذا بالإضافة إلى أشهر نجوم الغناء الذين أحيوا افتتاحيات الحفلات الكروية وكذلك قصص الحب والارتباطات التي جمعت فنانات شهيرات بلاعبي كرة القدم. وتزينت المدرجات بالحسناوات اللاتي تضفن نكهة خاصة للفرجة الكروية.
كما أصبح لتشجيع الجماهير أهازيج وأغاني تخص كل فريق، ولها ملحنون وواضعو كلمات محترفون، إلى جانب الأشكال الفنية الاستعراضية المرافقة للفرق بملابسها وألوانها ورقصاتها وطبولها وأبواقها.
هذا بالإضافة إلى أنواع الموسيقى والرقص الفلكلوري والتراثي الذي ارتبط بالفوتبول، وخصوصا دول أميركا اللاتينية كالبرازيل والأرجنتين والمكسيك، وعلاقتها بالصامبا والتانغو والصالصا والفالس.
كل هذا يجعل من كرة القدم فنا محوريا تتبعه وترافقه فنون أخرى متوزعة بين الهواية والاحتراف الذي وصل حد ما يسمى ب”الدبلوماسية الرياضية” وحتى الدعاية السياسية والترويج السياحي.
وفي هذا الصدد، كان مجلس دبي الرياضي قد أعلن أنّ “العديد من نجوم الرياضة البارزين في العالم سينضمون لـ”إكسبو 2020 دبي” للترويج لدولهم على الساحة العالمية والمشاركة في العديد من الأحداث الرياضية التي سيتم تنظيمها على مدار الأشهر الستة المقبلة.
القنوات والمنصات الخاصة بالفوتبول تزاحم نظيراتها الخاصة ببقية الفنون الغنائية وتتفوق عليها من حيث عدد الاشتراكات والواردات الإعلانية حتى أنها تستخدمها في الترويج لبرامجها.
أما جيش المعلقين والمذيعين والنقاد الرياضيين فقد أصبح لهم نجومهم وتتهافت عليهم القنوات الخاصة، وبرواتب مغرية، إذ يتقنون فن الظهور والكاريزما على مستوى الإطلالة والأسلوب فأصبح الواحد فينا يختار معلقه الخاص للمباراة الواحدة من جملة معلقين كثيرين.
تحكيم كرة القدم عرف بدوره، نجوما تميز الكثير منهم بحس الطرافة والدعابة كالإيطالي بيير لويجي كولينا، يتميز هذا الحكم بشخصيته الصارمة ونظرته الحادة ورأسه الأصلع، حتى أصبح يقلده حكام آخرون.
الألماني ماركوس ميرك طبيب نسائي عاشق للكرة وكان له تميزا أوصله لجائزة أفضل حكم في العالم عام 2007
ولم ينس التاريخ الحكم التونسي علي بن ناصر أنه احتسب هدف دييجو أرماندو مارادونا الأول في الدقيقة 51 بعدما أدخل قائد الأرجنتين التاريخي الكرة داخل المرمى بيده.
ووصف مارادونا الهدف غير الشرعي بأنه “يد الله” ولكن الحكم التونسي الشهير أكد أنه لم يشاهد الكرة بالشكل السليم كي يتمكن من عدم احتسابها.
المغربي سعيد بلقولة، تألق هو الآخر، بإدارته لنهائي كأس العالم 1998 بين فرنسا والبرازيل.
الفوتبول يصنع الأمجاد والبطولات، ويربي الأجيال أيضا. وفي هذا الصدد يرى الكاتب والناقد اندريه موروا، أن البرازيلي بيليه الذي تقلد منصب وزارة الرياضة في بلاده، يصلح بالفعل ليكون رمزاً لأجيال كاملة من اللاعبين المبدعين في مرحلة ما قبل السبعينيات، أما مارادونا، ذو الموهبة الفذة، الذي انتهى به المطاف إلى مصحة للشفاء من الإدمان في كوبا، وإدانته بالتعامل مع عصابات المافيا الإيطالية في فترة اللعب لنادي نابولي الإيطالي، في عمليات الاتجار بالرقيق والمخدرات، فيبدو وكأنه رمز لجيل ما بعد السبعينيات، وإن كان في ذلك شيء من الظلم لنسبة من أبناء هذا الجيل.
هكذا تختلف الآراء ويحتد النقاش حول المستديرة الساحرة ليطال كل مجالات الحياة الفنية والثقافية وحتى السياسية، فمن منا لم يسمع بحرب كرة القدم بين هندوراس والسيلفادور في أميركا الجنوبية ففي يوليو 1969 كان موعدا فاصلا للمباراة فاصلة بينهما، فازت فيها السلفادور وتأهلت. ومع نهاية اللقاء كانت الدولتان قد نشرتا قواتهما على طول الحدود بينهما وفي 3 يوليو انتهكت طائرة من هندوراس أجواء السلفادور وأطلقت على كتيبة من السلفادور النيران داخل الأراضي السلفادورية مما أدى لقيام السلفادور بهجوم واسع النطاق ودخلت القوات السلفادورية إلى مسافة 40 كم ولم تتورع هندوراس بل أرسلت طائراتها لضرب مدينة سان سلفادور وأكابوتلا بالقنابل. وبعد أسبوعين وتدخل الوساطات من الدول توقفت الحرب بعد أن أدت إلى دمار كبير وخسائر في الأرواح بالآلاف.
هكذا يمكن لكرة القدم أن تكون وسيلة للتقارب بين الشعوب كما يمكن أن تكون عاملا من عوامل التباعد وظهور الحساسيات، مثلها مثل بعض الفنون الغنائية أو السينمائية التي قد تثير مشاعر الغضب والعتاب حتى بين شعوب الثقافة الواحدة كما حصل بين مصر والجزائر في إحدى مباريات كرة القدم منط أعوام، وكذلك ـ وبنفس الحساسية ـ أثار فيلم سينمائي مصري حفيظة السفير التونسي في القاهرة لتعمده تقديم فتاة تونسية بشكل اعتبره مسيئا، لكن القضية سرعان ما وقع تجاوزها بشكل ودي.
صفوة القول أن الفوتبول أصبح واحدا من أقوى فنون الفرجة في العالم، وتنطبق عليه كل شروط ال”شو” لما يوفره من متعة وحماس واستعراض يستحق أن تقطع له الأسرة التذاكر لكل أفرادها، رغم حالات شغب الملاعب بسبب نزعات التعصب والشعوبية.
لكن كل هذا لم يمنع لا يمنع لاعبا شهيرا مثل ليونيل ميسي، في تصريح له إلى صحيفة الديلي ميل “حرصي على أن أكون إنسانًا جيدًا أكبر من حرصي على أن أكون أفضل لاعب في العالم. بعد الاعتزال، عندما تزول كل هذه الحفاوة التي أتلقاها الآن أتمنى أن يقول الناس إني كنت شخصًا جيدًا”.
أما إدواردو غاليانو، فقد ألف كتابا مهما حمل عنوان “كرة القدم بين الشمس والظل” والذي يعد أحد المحاولات القليلة لتناول كرة القدم بشكل فلسفي مختلف عن ذلك المنظور الذي يرى به الآخرون كرة القدم، حيث يرى أن كرة القدم مثلها مثل الفن مرآة لمجتمعاتها، وأن ملعب المباراة هو مسرح يحمل بين طياته العديد من القصص الإنسانية. قام «غاليانو» بالتركيز على كل عنصر من عناصر اللعبة بشكل منفرد وسرد أحد القصص المتعلقة بهذا المركز.