وما أدراك ما الحب ..
وما أدراك ما الحب ..
*ورود مدينتنا لا تليق بمقامك:
ضاق ذرعا بالوشاة والغشّاشين من بيّاعي الورود الساكتة ومعارضة أهلها المتأفّفين من فقره … فامتطى رأسه والطائرة ليحطّ في روما التي تبعد مسافة ساعة عن مدينة تونس ,بعد أن استدان مأتي دولار…ليشتري بالمبلغ كلّه وردا ويعود بعد ساعة لينثره أمام بيتها ..
إنّه صديقي الكاتب الرائع (الأسعد بن حسين), والذي كنّا نلقّبه ممازحين بـ(الأتعس بن حزين).
*(عيشة) أو الساعة تنتين ونص:
وعدها حبيبها بانتظارها عند موقف الترامواي في تمام الساعة الثانية والنصف قصد الزواج والهروب من جحيم والدها اللحّام المعترض,لبست فستانها الأبيض الملطّخ بالتوت تحت المعطف الأسود,حملت قرنفلة حمراء وانتظرته ,ما زالت (عيشة)تنتظر الساعة الثانية والنصف حتى اليوم , منذ ما يقارب الخمسين عاما….مات الأب,اختفت سكّة الترامواي تحت زفت الطريق…ذبلت القرنفلة وتيبّست …لكنّ بقعة التوت مازالت طريّة وتنتظر.
* جدّي وجدّتي والحصان :
دفن جدّي حصانه في مراسم تليق بنبيل حقيقي وزرع في تربة القبر عشبا و وردا وقصبا من السكّر ,سألت عن هذا الطقس الغريب فردّ أبي :لقد أصيب الحصان برصاصتين قاتلتين حين كان جدّك يختطف جدّتك من ديار أهلها…دفنه جدّك بعد أن ألبسه حدوات من ذهب وصبغ غرّته بالحنّاء.
*مزحة مكلفة وثقيلة:
سألت عن سبب ما حلّ بالشاعرة الراحلة (…..) من اضطراب في السلوك فقيل لي أنّها كانت تعشق شاعرا يكمل دراسته في موسكو وكان الاثنان يتبادلان رسائل الشوق والوعود ,ذهبت لاستقباله في المطار بعد إتمام دراسته ..وبعد انتظار طويل ,فوجئت بظهوره مع أطفاله وزوجته الروسيّة..! مرّ من أما مها دون أن ينتبه حتى لوجودها…
حدث كل هذا إثر مزحة ثقيلة من أصدقاء الاثنين حين كانوا يكتبون لها رسائل الغزل باسمه …ودون علم منه.
*إشاعة كاذبة..لكنها صادقة:
في بداية الشهر الأوّل من سنة 1984,وبعد سهرات رأس العام استفاقت تونس على ما يعرف ب(انتفاضة الخبز)احتجاجا على رفع أسعار الخبز . .
عمّت المظاهرات كل أنحاء البلاد وأعلنت حالة الطوارئ ,كنت آنذاك أعيش مراهقتي العاطفية والسياسية ,انضممت إلى جحافل المتظاهرين والمحتجّين ثمّ أطلقت إشاعة بأنّي قد(استشهدت)..وصل الخبر إلى أمي التي أغمي عليها وأقام رفاقي في بيتنا بإيعاز منّي مراسم عزاء على أصوات الأغاني الثورجيّة…بينما كنت أقضّي ليلتي في بيت أحد الأصدقاء بعد قرار منع التجوال.لم أكن أقصد من وراء هذه الإشاعة إلاّ جسّ نبض جارتنا الصبيّة التي كنت أحبها حب الشياطين للشرّ.
في اليوم التالي,فاجأت جمهور المعزّين بحضوري بعد أن استمتعت لبكاء جارتنا الصبيّة وأنا أتلصّص عليها من بعيد,عانقتني مبتهجة لسلامتي ,بادلتها العناق الذي لم يدم طويلا…لقد عادت لعنجهيتها وعدم المبالاة بمغازلاتي العابرة وصوت مسجّلتي المتردّد بين مارسيل خليفة وعبد الحليم حافظ.
*رحايا القلوب:
قتل أفراد العشيرة الشاب الذي جاء في منتصف الليالي يريد رؤية حبيبته التي زوّجوها بالإكراه من شخص لا تحبّه,دفنوه مع بندقيته في أحراش الصبّار تحت نظر حبيبته.
بعد زمن جاء الوالد يسأل عن ابنه متنكّرا في هيئة متسوّل ,عرفته الزوجة,وهمست له بضرورة العودة في صباح اليوم الثاني لإخباره عن قصّة ابنه وسماعها من تحت الشبّاك وهي ترحي القمح وتغنّي.
دارت الرحى تطحن القمح والحكايات …وقلب الوالد المفجوع والصبيّة المقهورة.
لم أكن أحبّ أن أنام صغيرا إلاّ وأنا أنصت لهذه الملحمة من حنجرة أمي رحمها الله –وباللغة الأمازيغيّة.
*كلمة في الزحام :
حبيبتي, أنا لم أكذب كل هذا الكذب إلاّ لأحبّك , ولم أرتكب كل هذه السطور إلاّ لأحبّك … ولم أستعرض ريشتي الوحيدة المتبقّية أمام الثعالب إلاّ لتحبّيني ….فاصنعي لي تمثالا من التذكّر و الكلام.