14يناير التونسية أو (الدومينو) العربي في ذكراه الثانية
14يناير التونسية أو (الدومينو) العربي في ذكراه الثانية .. هل تصحّ فعلا هذه المقاربات المجازيّة في توصيف ما حدث في تونس منذ عامين بضربة الدومينو الشهيرة ذات الأحجار المستطرقة والمتهاوية بعضها فوق بعض وهي تعلن وجها جديدا لخارطة الأنظمة الفاسدة ؟ هل هي العدوى التي أصابت الأشقّاء بالرشح حين عطس التونسيون ,أم أنّ بعضهم قد أخذ احتياطه من اللقاحات اللازمة ل(نزلة البرد) هذه واستعدّ لها بالحشايا والأغطية السميكة فجانبته وراحت تبحث عمّن هو أقلّ مناعة وأكثر (تحرّشا) برداءة الطقس وسوء الأحوال السياسية والاقتصادية .
هل أنّ أحجار الدومينو العربي متساوية الأحجام والوضعيات والتأثير في من يجاورها ,أم أنّ بعضها ثابت لا يتزحزح وبعضها الآخر منبسط الحالة منفرج الأوضاع ولا يسمح بأن يكون ممرّا أو حاضنا ل(فيروس العدوى) .
هل نسينا أنّ حركة الدومينو الشهيرة – والتي يحلو للكثير مقارنتها بالربيع العربي – هي ثابتة في مكانها ولا تغيّر من مسارها بل تكتفي بقلب وجوهها نوما على البطون أو استلقاء على الظهور ضمن فرجة استعراضيّة سرعان ما تخفت وينطفئ بريقها ليعاد ترتيبها من جديد أمام جمهور بدأ يغادر مقاعده متململا.
لكنّ السؤال الأكثر شرعية هو من يحرّك هذه الأحجار ويعيد ترتيبها ويرسم مصائرها ؟ ,ألا تبدأ إشارة الانطلاق بلمسة اصبع خفيّة لا ينتبه إليها الجمهور ولا حتى الأحجار المصطفّة مثل شواهد القبور وأوابد التاريخ الذي ما ينفكّ يعلن موته ,ينعي نفسه ..أو يكرّر سكراته ضمن حركة لولبيّة …(ألا تذكّرنا كلمة (لولب) بإحدى طرق منع الحمل التقليديّة ونحن نعيش (ربيعا) جديرا بالخصوبة وخروج الزواحف من سباتها الطويل.).
ألم تدّع بعض الأنظمة التي بدأت شوارعها بالتحرّك العفوي أنّها غير معنيّة بطاولة الدومينو هذه…وإن حدث ذلك فإنها قادرة على صدّ الحركة وجعلها عكسيّة ترتدّ فوق أصابع فاعليها ..1؟…لكنّ اللعبة خرجت في بلدانهم عن رشاقتها وتناغمها وفرجويتها وصارت قتالا دمويّا أشبه بالمصارعات الرومانيّة التي لا تنتهي بالانتصار أو (الانتصار) .
يبدو أنّ الأمر ليس مجرّد عدوى مثل التثاؤب الذي قال عنه المعرّي :
(تثاءب عمرو إذ تثاءب خالد * فما أعدتني الثؤباء).
وليس مجرّد أنفلونزا الطيور الباحثة عن سماء أوسع من الأقفاص في نظر الحالمين بالحرية والكرامة…ولا أنفلونزا الخنازير الخارجة من حظيرة الأجندات الخارجية كما تأكّد الأنظمة(الممانعة)….وحتى أحجار الدومينو ,تبقى تشخيصا أوّليّا سطحيّا وقراءة توصيفيّة مبتدئة لظاهرة تبدو صحيّة في نظر بعضهم ومرضيّة في نظر البعض الآخر …لكنّ عيادة الربيع العربي ظلّت مشرّعة الأبواب –ليلا نهارا فقط – لاستقبال المرضى والزائرين والباحثين عن النقاهة وطلاّب الاستشفاء .
أمّا أهم الأقسام الرئيسيّة التي تحتويها هذه العيادة العربية بفروعها التونسية والمصرية والليبيّة فهي الهضميّة والعقليّة …وإن كان تأسيسها على يد محمد البوعزيزي وزائره الأوّل والأخير زين العابدين بن علي في مستشفى الحروق البليغة بضاحية بن عروس التونسية وفي مثل هذه الأيام منذ عامين.
نسينا أن نذكّر في هذه المقاربة الاستشفائية للربيع العربي بما يعرف ب(المورغ) أو برّاد الموتى أو(بيت الرحمة) والذي يقع عادة في قبو المشفى ….من هنا خرج البوعزيزي جثّة متفحّمة ليشعلها ثورة …. هنا مات البوعزيزي فعاشت الكرامة والحرية ونهض وطن من سباته مثل يمامة تعلن الربيع .
وكدت أن أنسى شخصيا بأني أسكن على بعد أمتار قليلة من (مركز الحروق البليغة) الذي مات فيه البوعزيزي وإني أطالب الذين يدّعون في تونس بأنهم يمثلون حكومة ثورة بإطلاق اسم محمد البوعزيزي على هذا المركز في بعديه الحقيقي والمجازي.
*كلمة في الزحام :
أجالس صديقي العجوز في مقهى الحي لنلعب الدومينو ,هو يسألني عن دمشق وأنا أسأله عن تونس ,لا يقوى أيّ منّا على الإجابة ,فنخلط الأحجار ونعود للعب تحت ضباب الأدخنة ونشرات الأخبار.