كلمة في الزحام

وعلى غير عادتهم لم ينقسم مثقفو تونس هذه المرة

وعلى غير عادتهم لم ينقسم مثقفو تونس هذه المرة ومثل جرس الكنيسة ـ أو صياح الديك ـ يدعو للصلاة ولا يصلي، دعا مثقفون تونسيون كثيرون مواطنيهم إلى المشاركة دون تردد. في الاعتصام المفتوح الهادف إلى إسقاط الحكومة وحل البرلمان. يوم 25يوليو الماضي ثم انبرى عدد غير قليل منهم إلى المكوث في بيته أمام شاشتي التلفزيون والكمبيوتر مكتفيا بالمتابعة والتعليق في ذلك اليوم الذي بلغت فيه الحرارة والحماس أقصاهما.

سخر بعض مثقفي تونس في البداية من البيانات التحريضية التي أصدرتها ما يعرف بالمجالس الشبابية التي لا يعرف لها عنوان أو تصنيف حزبي أو جمعياتي. اكتفوا بانتقاد الأخطاء الإملائية الواردة في تلك البيانات ثم تركوا الأبواب مواربة والأجوبة معلقة، وذلك على اعتبار أنّ إسقاط برلمان الغنوشي ليس أمرا هينا.وأن جماعة هذا الرجل الأفعواني تتمدد بشكل أخطبوطي في مؤسسات عديدة بالدولة. وكذلك الحكومة التي تتوسدهم وتنام في أحضانهم.

وباختصار شديد، فإن غالبية المثقفين التونسيين ـ وإن ضاقت ذرعا بالحكومة والبرلمان ـ فإنها لم تكن تأخذ إمكانية التغيير على محمل الجد. ومنهم من يعتبر الرئيس قيس سعيد مجرد ظاهرة صوتية. يكتفي بالإدانة والتهديد من بعيد دون ذكر أسماء، بينما يستمر الإخوان والفاسدون في غيهم.

استمر هذا الاعتقاد إلى غاية مساء يوم 25يوليو. وحين غربت شمس ذلك اليوم الحانق. وبردت الدماء في رؤوس الجميع، وظنت الحكومة وجماعة حركة النهضة وأتباعها أنهم في مأمن من شعارات تلك الجماهير الغاضبة. وأن مواكب الاحتجاج لا تتعدى كونها سحابة صيف، ظهر صوت قيس سعيد. هادرا، واضحا وصريحا في سابقة لم يعهدها مواطنوه. وهو الصوت الذي كانوا يشبهونه تندرا بمقرئ البيانات العسكرية.. ظهر هذا الرجل المدني ذو الخلفية القانونية البحتة ليعلن ببرودة دم استثنائية تجميد البرلمان ورفع الحصانة عن أعضائه، بالإضافة إلى إقالة رئيس الحكومة وترؤسه للسلطة التنفيذية إلى حين تسمية رئيس حومة جديد. كل ذلك تم وفق الفصل 80من الدستور في قصر قرطاج الرئاسي، بينما ظل قصرا باردو البرلماني والقصبة الحكومي مغلقين إلى أجل غير مسمى.

اندفعت الجماهير إلى الشارع من مختلف الفئات العمرية تعبر عن ابتهاجها كاسرة حواجز الحظر الصحي. والتحق بها الرئيس، بينما ظل المثقف التونسي يفتعل الرصانة أمام شاشتي التلفزيون والكمبيوتر.

بدأت أسارير المثقف التونسي تنفرج رويدا رويدا، ثم دخل الجميع في هذه الاحتفالية أفواجا أفواجا باستثناء قلة محسوبة على جماعة الإخوان وتأكل من موائد الغنوشي وجماعته.

الحقيقة أن مثقفي تونس قد فعلت بهم الأحداث السابقة ما فعلته. وعلمتهم منذ أزمنة بورقيبة وبن علي أن الجلوس على الربوة أسلم، لكن ما حدث بعد 14يناير 2011 جعلهم أكثر جهرا بأصواتهم وإن لم ينئوا بأنفسهم عن الاستقطابات الحزبية والمشاركة في السجالات القائمة داخل البلاتوهات التلفزيونية التي تدرّ الشهرة والنقود.

إن كانت الحرية هي الغنيمة الوحيدة التي ظفر بها المثقف بعد ربيع الثورة الذي لم يكتمل. فإنها قد أصبحت مهددة اجتماعيا لا سياسيا في ظل هيمنة الإخوان وشركائهم على الحكم.

القوانين المتعلقة بالحريات لا تضمن وحدها أمن وسلامة المثقف التونسي. إذ لا معنى لهذه النصوص الورقية أمام التهديدات والاعتداءات الفعلية على المثقف من طرف ميليشيات متسترة في المجتمع. ويحركها الإخوان وحلفاؤهم تحت تسميات عديدة: مرة باسم حماية الأخلاق الحميدة، صون الهوية الإسلامية والعربية أو روابط حماية الثورة التي كثيرا ما عربدت في الشارع التونسي وكممت الأفواه.

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى