منطق قوم عند قوم
منطق قوم عند قوم كانت أمي تكالمني حين كنت خارج البلاد، تطمئن عني ثم تنهي حديثها بجملة عتاب لست أدري من أين استنبطتها ” توقف عن حياة الاستهتار فالكثير ممن في سنك صاروا رؤساء وملوكا”. وظلت جملة العتاب هذه على لسانها في كل مرة تتحدث فيها حتى فاجأتها بسؤالي “بالله عليك يا أمي.. وأنت.. ألست في سن انديرا غاندي ومارغريت تاتشر؟
سمعت أنفاسها على التليفون فيما يشبه من أُسقط في يده وأحسست أنها في ورطة منطقية ثم لعنت “شقاوتي” وأطبقت السماعة ولم تعد تذكر لي جملة العتاب تلك إلى أن توفاها الله.
أعرف الكثيرين ممن “توقفوا عن حياة الاستهتار” ولم يصبحوا رؤساء ولا ملوكا.. هذا هو منطق سقراط أليس كذلك؟ سقراط المستهتر الذي اتهموه بإفساد شباب أثينا، وليس لاعب كرة القدم البرازيلي الشهير طبعا.
سقراط الذي عندما كان صغيرا، كان يكره الاستيقاظ مبكرا للذهاب إلى المدرسة. وكانت أمه تكره هذا التصرف منه لأنها كانت تحلم أن تراه يوما مهندسا، وفي يوم ذهبت أمه معه إلى المعلمة، وكانت قد اتفقت معها على أن تسرد له فوائد الاستيقاظ مبكرا.
المعلمة : سقراط سوف أقص عليك قصة جميلة وتقول لي ماذا استفدت منها حسنا ؟
سقراط (وهو يتثاءب): حسنا
المعلمة : كان هناك عصفوران أحدهما استيقظ باكرا وأكل من الحشرات وأطعم صغاره، والثاني استيقظ متأخرا فلم يجد ما يأكل .. ماذا استفدت من القصة سقراط ؟
سقراط : استفدت أن الحشرات التي تستيقظ مبكرا تأكلها العصافير.
ورطة المنطق هذه، والأخذ على القياس، مازالت تسبب لي الكثير من الإحراج وتصيبني بالصداع حين تأتي على شكل نصيحة مثل قولهم “اسمع كلام اللي يبكيك ولا تسمع كلام اللي ضحكك”..
كيف أسمع كلام من يبكيني يا إله الرحمة والغفران؟ هل على المرء أن يدمن التجهم والكـآبة وأفلام الميلودراما الهندية فيمضي الوقت في عصر مناديل الدموع؟ أم ل عليه أن يمتثل لأقوال القساة والجلادين وسادة غرف التعذيب، والذين انتزعت الرحمة من قلوبهم؟
وفي المقابل، كيف لا أستمع إلى من يضحكونني كالسمّار الظرفاء وسادة البهجة من نجوم الفكاهة وحس الظرافة، والضحك الذي يطيل الأعمار بشهادة الأطباء والمتخصصين؟.
ربما يكمن الخلل في سوء اختيار الأمثلة الواردة واستعمال الصيغ اللغوية غير الموفقة ، وليس في النوايا المضمرة، لكن المنطق “يتعسّف” حتى على صاحبه أحيانا، فيذهب نحو مفارقات ومجاهل أخرى.
كل هذا يذكرني بالمتحذلق الذي أطنب في الحديث عن الخنفساء التي صمدت لملايين السنين ولم تستطع الأسلحة النووية إبادتها، لكنها تنتهي بمجرد لطمة من صحيفة.
ردّ عليه أحدهم ” فهمتك سيدي.. وأقدّر قوة ما يمكن أن تفعله الصحافة كسلطة رابعة“.