معضلة الضحك
معضلة الضحك … هل أنا أضحك لأنّي مغتبط وسعيد أم العكس، هل أنّ غبطتي وسعادتي نتيجة لضحكي أم سبباً له؟ ما علاقة الضحك بالفرح؟ ثمّ من قال إنّ الضحك هو موقف سعيد بالضرورة؟ وما الفرق بينه وبين الابتسام ، هل أنّ ما يضحكني الآن وهنا وضمن ثقافة محدّدة ومنطق معيّن يضحك إنساناً آخر في زمن آخر وفي بلاد أخرى ؟
جملة أسئلة ـ بعضها مضحك ـ طرحها الإنسان (هذا الحيوان الضاحك)على نفسه منذ فلاسفة الإغريق مروراً ببيركسون في (كتاب الضحك) إلى يومنا هذا الذي قلّ فيه الفرح وكثر فيه الضحك على كلّ شيء ومن أي شيء.
بعضهم يبرّر وجوده وحضوره بالضحك والقهقهة وبعضهم بالعبوس والتجهّم وبعضهم بالحياد أو ادّعاء الحياد….. وهم فئة تزعج الطّرفين.
الذين يضحكون لأتفه الأسباب هم عادة من طيّبي القلوب ويبحثون عن التواصل مع الآخر هروباً من مجالسة أنفسهم ومواجهتها بأسئلة مؤلمة ومحرجة.
أمّا المقطّبون من الذين لا تطاوعهم عضلات وجوههم في الابتسام فهم عادة قليلو الكلام كثيرو التأمّل والتألّم والخجل، يطلقون رأيهم في مسألة بجديّة فينفجر كل من حولهم ضاحكين، يستغرب المتجهّمون لأنّهم لا يتقصّدون الإضحاك أو التنكيت وإنّما أبدوا تعليقهم على مفارقة حياتيّة بنفس المنطق الذي حصلت داخله تلك المفارقة كحادثة الرجل الفقير الذي تناول رغيف خبزه على رائحة الشواء في السوق، جاء الشوّاء البخيل يطلب منه أجرة ذلك فأخرج الفقير الظريف درهماً وبدأ يلاعبه داخل آنية معدنيّة ، سأله الشوّاء عن معنى ذلك فأجاب: (بعت لأنفي رائحة شواء وها أنا أردّ لأذنك المقابل بصوت وقع هذا الدرهم في هذه الآنية المعدنيّة).
كان الصديق المرحوم عزمي باشا مورلي أرستقراطيّاً في كّل شيء، حتّى في ابتسامته ـ إذ لم نشاهده يوما يضحك… حفاظاً على هيبته، قلت له يوماً مستغرباً من تجهّمه الدائم: (أغلب الظنّ أنّك تعود إلى مزرعتك مساءاً، تغلق الباب على نفسك كمن يغيّر ملابسه وتضحك.) فابتسم ربع ابتسامة..! وكان مجالسنا الصديق زهير الحسن يضحك للهواء والذباب والصمت والبكاء فنظر إليه عزمي باشا شذراً ثمّ قام بحركة لا معنى لها (غيّر وضعيّة القدّاحة على الطاولة ) وانفجر في وجه زهير غاضباً: (هيّا.. اضحك الآن يا زهير!) فانفجرنا ضاحكين.
الضحك يشبه الاشمئزاز من حيث المفهوم في كونه ردّة فعل على سلوك أو فكرة تجانب المنطق الذي يسكننا ونظنّه صحيحاً، فلطالما أضحكتنا أو ضايقتنا ثقافات وعادات شعوب أخرى في الأفراح والأتراح وطرق التحيّة والأكل والجلوس فمن منّا لم كن يوماً ضحيّة لمفارقات لغويّة أو لعادة يجهلها لدى غيره (أذكر أنّي ارتشفت فنجان القهوة المرّة في مجلس عزاء ورفعت صوتي متباهياً بإتقاني لهذا الطّقس– دايمة يا جماعة ـ ..!).
ثمّة شيء يجعل الواحد أكثر استعداداً للضحك دون غيره وهو طريقة الاستقبال وزاوية النظر وروح السخرية وملكة الفكاهة فمن الناس من يضحكه شكل الكرة الأرضية من الفضاء الخارجي وتهافت البشر على قتال بعضهم البعض ومنهم من تضحكه مفردات أو تسميات بعينها ولا على التعيين مثل: شاعر، ملياردير، نجم، ايتيكيت، شفّاف، جنس، لغة، مريد، مطرب، ممسحة، مسرح، وغيرها، بل أنّنا إذا ذهبنا بعيداً و أعدنا النظر في كلّ شيء وبسؤال الجدوى النهائيّة يصبح كل شيء مضحكاً إلى حدّ العبث والفزع.
لو أسعفتنا الذاكرة لتذكّرنا كيف كنّا رضّعا نبكي ونضحك لأسباب نجهلها ودون لغة وقواعد في النحو والصرف، كبرنا وصرنا نعرف كيف نفرمل ضحكنا ودموعنا وغضبنا ونتجاهل أتعاباً نظنّها عاديّة وولدت معنا:
تعبت من وجهي، يبتسم لي ويمازحني في مرآة البيت ثمّ يتنكّر لي ويتجاهلني في مرايا المصاعد والمكاتب والواجهات وأيّام الغضب.
تعبت من صوتي، هو الآخر يباغتني بالهمهمة أمام امرأة جميلة وبالسكوت أمام شخص وقح وبالتلعثم أمام منبر ممل بعد أن كان يصدح بالشعر والغناء والشتيمة أمام الأهل والأصدقاء.
تعبت من كلّ شيء يباغتني : زمّور سيّارة، مكان أنا فيه، فكرة تريد أن تهشّم رأسي وتطير..
أمّا أنا فلم أتعب سوى الحقيبة التي أقبض عليها منذ أيّام الدراسة الأولى ولم أضف إلى محتوياتها شيئاً يذكر سوى فرشاة أسنان وجواز سفر يغادران معي في كلّ مرّة أغادر فيها بيتاً كنت أسكنه وامرأة كانت تسكنني.
6.11.2013