ما هكذا تورد الإبل يا ابن الصحراء التونسية
ما هكذا تورد الإبل يا ابن الصحراء التونسية … يستمتع الإعلام التونسي العمومي والخاص بلفظ عبارة “المؤقّت” على رؤساء الدولة والحكومة والمجلس التأسيسي …بل و”يتمادى” التونسيون جميعهم في خلع هذا التوصيف على الزوجة والحبيبة والصديق ورئيس العمل , مقرّين بأنّ دوام الحال من المحال بعد أن تخلّصوا بشبه معجزة إلهية من كل ما هو مزمن وجاثم على الصدور والقبور….ماعدا صعوبة الأوضاع المعيشيّة طبعا.
كل المؤشرات تدلّ على أنّ الرئيس التونسي” المؤقّت ” سوف يخرج من قصر قرطاج من غير رجعة …وسوف يودّع بلاط علّيسة – ايليسار – المترف دون حاجة إلى ملك موت أو حاكم عسكري .
كل الآراء تتفق على أنّ “المنصف” لم يكن منصفا فيما ذهب إليه من مواقف وتصريحات رعناء سواء كانت ارتجاليّة عصبيّة – وهو طبيب الأعصاب – أو مملاة من طرف ولي النعمة راشد الغنوشي وحركته الاستنهاضيّة التي زرعت الفتنة غير المعهودة في نفوس التونسيين.
سوف يغادر المرزوقي إذن ضاحية قرطاج الميسورة الخلاّبة عائدا إلى بيته المتواضع بعد أن يترك خلفه الأقاويل والنوادر والزجاجات ومسودّات كتب كثيرة ….وكأنّ مهمته الرئاسيّة كانت مجرّد تفرّغ للكتابة وتصفية الحسابات مع خصوم الأمس حين كان ناشطا في مجال حقوق الانسان ,لا يشق له غبار ويشهد له الجميع بصدقيته وتفانيه.
آخر اصدارات القصر الجمهوري في تونس كانت “الكتاب الأسود ” بتوقيع ساكنه الذي ملأ الساحة الثقافية والإعلامية ضجيجا وزاد من تعكير صورته مع الصحافة التي كانت ولا تزال تسنّ أقلامها ضدّه فأصبح مادة للتفكّه والسخرية اليوميّة في صفحاتها الأولى التي كانت في الأمس القريب تعجّ بنشاطات وانجازات “صانع التغيير المبارك , فخامة الرئيس زين العابدين بن علي” .
“الكتاب الأسود” :
هو قائمة عريضة طويلة بأسماء المنتفعين والمتسلّقين والمأجورين والمرتزقة من إعلاميين ومثقفين وفنانين ومناشدين في عهد النظام البائد بالحجج والبراهين …..وقد نزل عليهم كالصاعقة بعد أن ظنّوا أنفسهم في “منأى” عن التجاذبات السياسية وقد تحصّنوا بقوانين كثيرة تكفل حرية التعبير التي أنعمت بها الثورة عليهم…ولعلّها الانجاز الوحيد الذي تحقّق للأفواه المغلقة.
استقبلت الساحة الإعلامية الكتاب الأسود بغضب شديد فانقطعت شعرة معاوية بين الصحافة وساكن قرطاج المؤقت وكانت حجتهم هي السؤال عن هذا التوقيت المريب , والبلاد لا تتحمّل مزيدا من الضغينة والاحتقان …ثمّ أنّ الكتاب سكت عن أسماء أخرى من المنتفعين الجدد والمحسوبين على الحكومة المؤقتة : ذات الصيت الذائع في الفشل والمحسوبية والتعيينات الحزبية .
الأغرب من ذلك كله أن يصدر الكتاب من مؤسسة الرئاسة التي من الأجدر بها أن تقف على مسافة واحدة من كل شركاء الوطن وليس من وظيفتها بث الفرقة والفتنة في هذا النسيج الهش , ثمّ أنها قد تعدّت على مهام السلطة القضائية التي تملك وحدها حق الطعن والاتهام والمحاكمة والتشهير….
هل البلاد والعباد الآن في حاجة إلى مثل هذه المفرقعات والألغام وهي –بالكاد- تمشي على أقدامها وتلعق جراحها ؟
ما هكذا تورد الإبل يا ابن الصحراء التونسية , وأنت الذي عانى ما عاناه من منافي وتقوّلات وإشاعات…..هذا ليس انتقالا ديمقراطيّا , بل انتقام ديمقراطي مكّنك منه كرسي قرطاج التي أحرقها الرومان فنهضت من رمادها كطائر الفينيق وأعلنت ديمومة شعب يرفض أن يموت.
انظر من شرفة قصرك يا ساكن قرطاج , تأمّل في هذا البحر الذي تمخر عبابه سفن الهجرة المتهالكة نحو عدو الأمس , من أوصلك إلى هنا غير طيبة شعبك وشراسته في طلب الحرية عبر كلمة “ارحل “التي مازال يدوّي صداها بين جدران بلاط”علّيسة ” .
كلمة في الزحام :أيها المنتفعون من فلول النظام السابق وشملهم ” الكتاب الأسود” المؤقت :جار المرحوم ” الكتاب الأخضر ” , اطلبوا السماح من شعبكم فأنتم اليوم طلقاء…واتعظوا من مانديلا العظيم يوم جنازته.
16.12.2013