في يوم الشعر العالمي
في يوم الشعر العالمي ..”الشعر عربدة الفقراء”
شكرا لك أيّها الرب مرة أخرى على هذه الجيوب المثقوبة التي جعلتني أنظر من خلالها إلى ملكوتك العظيم.
أمسح بلّور نافذتي بكلامك في الصباح فيصبح الخارج أقلّ وحشة ويبتسم المارّة والعابرون …يهمس البلّور لأصابعي )ماذا فعلت بي!..أنا لم أكن شفّافا قبل هذه اللحظة )، وكلّما لمّعت به زجاج سيارتي يخضرّ الطريق وكلّ إشارات المرور…وتصبح حفر الطريق مراجيح مسلّية وصافرة الشرطي وزمامير الشاحنات أعذب من الموسيقا.
أفرد ما تكتبه فوق مائدة الطعام فيصير أشهى …من أين جئت بهذه التوابل من طيب الكلام..!؟..كيف تسلّل هذا الزعفران إلى صحني وخاطب لساني قبل عيني.
أشعل المدفئة من كلماتك دون استعانة بالكبريت… فيتشقّق فوق سطحها كستناء الحنين والذكريات وتعلو مدخنتي شامخة، متباهية أمام الأخريات.
قال طفل جارتي: (ما أطيب السندويش من يدك يا خالة حين تلفّينها من أوراق هذا الكتاب…البارحة قضمت معها بضع كلمات…إنها أطيب من المخلّل).
وقال لي عامل التنظيف وناطور البناية : (ما أخفّ كيس القمامة ياسيدتي وما ألطف هذه الأوراق التي تراقص الهواء وتحوم حول الحاوية).
الحبر على هذه الصفحات يأخذ لوناً غريباً وعطراً غريباً ولا يجفّ أبداً …أنظر إلى كفّي المخضّبة بحنّاء حروفك والمعطّرة بكلام مدادك … جرّبت كل أنواع الصابون دون فائدة … حتى بصماتي لم تعد ظاهرة، ما جدوى البصمات حين تصبح أنت هويتي …ماذا سوف أقول لأهلي !؟..لا لن أقول شيئاً سوف أصمت وأخبّؤك بين أصابعي).
إذا كانت الكتابة نحتاً في الريح فأنا تمثالك يا سيّد الريح وسأحنو على أزميلك وأخشى عليه من خاصرتي….أنا قارئتك الصارخة يا مرتّلي الصامت، أنا كهفك أيها المتبتّل وصومعتك التي لا تطلّ منها على أحد سواي.
أنا لا أفتح كتابك أو جريدتك ، بل العكس …. يقرأني ما تكتبه دون نظارات ثم ينظّفان بي السماء من الكدر والغيوم.
هل يغفر الله لي- مجازاً- إذا قلت بأني أرقد فوق طاولة العشاء المقدّس…أعرف أنّ الله يحبني ، لذلك بعثني إليك إلهاماً…معاذ الله إن قلت (وحياً).
قالت جارتي إنها والذي معها في البيت لا يتفقان إلاّ على ما تكتبه ولا يختصمان إلاّ على ما تكتبه ولا يتصالحان إلاّ على ما تكتبه، وقال جاري الأكول البخيل: (لم أعتد أن أنكّش أسناني بعد وجبة – كما كنت أفعل سابقاً- إلا بعد تناول وجبة دسمة من كتاباته) .
سيدي الذي أعرفه – كما لو كنت أعرفه- إني أنتظر منك الردّ على رسالتي هذه بفارغ القلب (صغيرة كلمة رسالة) واعذرني على جرأتي إن قلت لك: (سأمتصّ يوماً رحيق كلامك بقبلة لا تبق ولا تذر…كي لا يبقى بعدها من شهد تعصره إلى غيري)
أين أجدك؟.. كلّما سألت عنك المؤجرين والدائنين والنّادلين يقولون لي: كان هنا و خرج لتوّه من هنا….رفعت رأسي أشكوك إلى السماء فلمحت آثار أظافرك على السحاب تفتّته وتلقي به نحو الأرض اليباب .. يا واهب الفرح.
.*التوقيع: المعذّبة بكسر الذال والمذلول (نحلة.. الملقّبة بأم شهد).
*رد من الكاتب المتخيّل:
لسعني حديثك أيتها الملكة، بل أسكرني وأفقدني توازني(رغم أني لست متوازناً)..هل تسمحي لي بفنجان من القهوة المرّة ؟حبك مزّق ردائي وجعلني عارياً مثل غيمة ..صدق من قال: إن السؤال أنثى والجواب ذكر)…
تعبس السحب كي تبتسم المروج ..وأنت مرجي الذي ترتع فيه أرانب الشهوة المستحيلة، كلامك هذا في – وقتي هذا- دين في رقبتي التي لم تسدّد لي يوماً فاتورة واحدة …ألم تقرئي ما قاله صاحب (نهج البلاغة): (لقد ذقت الطيبات كلّها، فلم أجد أطيب من العافية وذقت المرارات كلّها فلم أجد أمرّ من الحاجة إلى الناس، وحملت الصخر والحديد فلم أجد أثقل من الدّين).
ملاحظة: هل يحق لي أن أنوّه – كما في المسلسلات البوليسية والأفلام الفضائحية- بأنّ هذه السطور ليس لها علاقة من قريب أو بعيد بشخصيات حقيقية….أم أنّ الخيال محظور على كاتب مغمور..!؟.
كلمة في الزحام: أردت في بداية هذه السطور كتابة قصيدة ثم لويت عنقها لتصبح مقالة لعلّ ذلك أنفع لي ولكم في زمن لا يكتب فيه الشعر إلا الفقراء ولا يقرأه إلا الفقراء…الشعر ـ مثل الحب ـ عربدة الفقراء.
24.03.2014