كلمة في الزحام

أين منك ذياك النباح أيتها الكلبة المنكسرة

أين منك ذياك النباح أيتها الكلبة المنكسرة..” عبلة” كلبة مشردة، مرضع و” أمّ عزباء”، تتخذ من الرصيف المحاذي لدكّان اللبان في الحي مقرا دائما لها. نزقة وعصبية المزاج، لكنها لا تنبح ولا تهاجم إلا عربات الميترو (الترامواي) والعابرين من غير السكان الأصليين.

معظم أهل الحي يقتسمون طعامهم مع “عبلة” التي تتولى إرضاع جراء القطط اليتيمة وتحنو على المشردين من بني جنسها فيشاركونها بعض وجباتها المتنوعة بتنوع أذواق الجيران وإمكانياتهم، لكنها لا تسمح لهم بالمكوث الطويل في الحيز الذي تحتله من الشارع، وتسيجه بنباحها المميز الذي عادة ما يفتقده سكان الحي في لحظات غفواتها أو أوقات جولاتها في الحارات المجاورة بقصد الغنيمة، وكذلك البحث عمن هم في حاجة إلى الحضانة والرعاية من القطط الضالة.

” عبلة” لم تلتزم بالحجر الصحي، واستمرت تخرق منع الجولان متبخترة وسط الشارع، سليطة العواء في وجه سيارات الشرطة وعمال التنظيف الذين  بدؤوا يضيقون عليها، ويحرمونها ما جادت به القمامة من بقايا الطعام في هذه الأيام الحرجة.

نظرت صباح اليوم في “دار عبلة” التي كانت عامرة بالعظام فوجدتها  مجرّد “أطلال” خالية من العظام وتحوي بقايا معجنات تحوم حولها القطط الصغيرة، تحاول أكل ما تيسر منها ثم ما تلبث أن تعود أن تعود لثدي ” عبلة” الذي بدأ بالضمور والشحوب.

استرقت النظر إلى كلاب صعاليك قادمين من مضارب أخرى، جاؤوا ” يستنبحون” دار عبلة التي كانت عامرة، آملين في ما يسدّ الرمق ويؤمّن لهم البقاء في هذه الجائحة التي تضرر منها كل من يمشي على اثنين أو وأربع، على حد سواء.

ما كان من “عبلة”الكلبة المنكسرة إلا أن نهضت من مرقدها، واستشرست في الدفاع عن مخزونها الاحتياطي من الخبز والمعجنات وبقايا العظام. طاردتهم إلى مشارف الحي وعادت تفرغ جام غضبها في عربات الترامواي الخالية إلا من السائق وبعض الركاب، وقد تزينت بملصقات تحسيسية تحث على المزيد من التعقيم وغسل اليدين عند تناول الطعام.

مررت مساء اليوم، ب “دار عبلة” عند الغروب، وقبيل إعلان بدء منع الجولان الذي يقتضيه الحجر الصحي، فلمحت ثلاثة من الغرباء عن الحي، وقد أوقفوا سيارتهم وبدؤوا بإنزال مساعدات غذائية إلى عبلة وبعض من في ذمتها وتحت رعايتها من القطط الضالة.

هممت بتحذيرهم من نزقها وعصبيتها، إذ قد تعض أحدهم كما فعلت في السابق، إلا أن “عبلة” حركت ذيلها ترحيبا بهم، ولم تنبس ببنت شفة.

حدقت فيها متسائلا في سرّي: أين تلك “العنتريات ” يا عبلة، وأين منك ذيّاك النباح؟

رمقتني ” الأرملة المرضع” بنظرة انكسار، ولسان حالها يقول ” إنها الحاجة يا صديقي.. لقد أذلتني هذه الجائحة التي ـ هي في الحقيقة ـ لن تطال الحيوان، ولن تنال منه شيئا”.

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى