العنصرية.. وما أدراك ما العنصرية
العنصرية جريمة لا تسقط بالتقادم، ولا يموت أصحابها المطالبون بحقهم في رد الاعتبار، ولو بعد وفاتهم.
إنها جرح لا يندمل بسهولة، ذلك أن أي ” بلسم” قانوني أو تشريعي، يبقى واهيا وضعيف الفائدة، لمجرد أن تنكشه الذاكرة، فيورثه جد لأحفاده بل ويسافر عبر المكان والزمان، ليغدو رواية تُروى، وثقافة “يجب أن تحيا” ضمن مظلومية تاريخية أشبه ب” الطبيعة الثانية” على قول سقراط.
إدانة العنصرية، أمر سهل وفي متناول الجميع، أمّا التحصّن منها والامتناع عنها فقضية في غاية الصعوبة والرهبة والالتباس، ذلك أنها تقترب من المورثات الجينية، وتستمد “مشروعيتها” (الزائفة طبعا) من كتابات وآراء منظّرين وداعمين وسياسيين، ينتصرون لفئة ضد أخرى.
مقتل المواطن الأميركي الأسود جورج فلويد، تحت ركبة شرطي أبيض، يشاركه نفس الجنسية، ويُفترض أن يكون حاميا له، وفق الدستور الأميركي، كان بمثابة ” حبة الكرز التي توضع فوق الكعكة”، وفق تعبير شابة أميركية من ذوي البشرة السوداء في تقرير صحفي.
الحق على الإعلام إذن.. والذي تأخر كثيرا في القول بأن الولايات المتحدة دولة تنخرها العنصرية. وهل ينبغي انتظار عدسات الكاميرا، زهاء قرون من الزمن، لفضح الممارسات العنصرية التي تحدث منذ العصر الجليدي الأول.. وبتكتم شديد الرعونة والتستّر؟
هل كان على العالم أن ينتظر مصوّرا لإحدى القنوات الفرنسية، كي يعرف مقتل الطفل الفلسطيني محمد الدرّة، برصاص الجنود الإسرائيليين، منذ 20عاما، محتميا بأبيه؟ وهل استمر الأمر كذلك، إلى اليوم الذي افتضح فيه أمر السلطات الإسرائيلية بقتل طفل فلسطيني من ذوي الاحتياجات الخاصة، وهو إياد حلاق، منذ أيام قليلة أم أن الموضوع قد أثير في إعلام الدولة العبرية بشكل نافر، لمجرد أن الضحية كان يشكو من داء التوحد؟ ماذا لو لم يكن يشكو من داء التوحد؟
العنصرية تُؤخذ مجتزئة في غالب المجتمع الدولي، ويمارسها ضحية ضد ضحية أخرى ثم ينكرها آخر على آخر، وذلك بلغة الاستقواء والرغبة في كسب الرأي العام.. إنها مثل حال البوذيين الذين عانوا في التيبت من عنجهية السلطات الصينية ثم مارسوا العنصرية ـ نفسها ـ ضد الأقلية المسلمة في نفس البلاد. الحال ينطبق على يهود إسرائيل الذين تعاطفنا معهم في تاريخهم مع أفران الغاز في ألمانيا النازية إبان الحرب العالمية الثانية ثم عادوا ليمارسوا العنصرية نفسها ـ أو تكاد ـ ضد الشعب الفلسطيني وسكانه العزّل.
هل يختلف اثنان في أن العنصرية تمارس ضمن المجتمع الواحد في اللون والدين والعرق والمذهب؟ هل علينا أن نقيس درجة “الولاء” حتى نحدد مغالاة الأول وتنمره على الثاني أم أنّ في الأمر “تقديرا ضمنيا” لا يخلو بدوره من تحيز عنصري؟
إنها متاهة تفضي إلى متاهة، ولا يمكن حلها إلا بتشريعات قانونية صارمة، تجعل الجميع تحت سلطتها، وتضع حدا لهذا التطاول البشري الذي يبدو متأصلا في النفوس.
مهلا، فلا تأخذ أحدا منا العزة بالنفس، ويظن نفسه منزها أو مستبعدا أو في منأى من العنصرية لمجرد أنه ينتمي لفئة يحسبها مضطهدة، فثقل ركبة شرطي أسود على رقبة رجل أبيض، تخنق ـ بدورها ـ الأنفاس، وتتسبب في عنصرية مضادة قد يحتج عليها الأسود قبل الأبيض.
متى ينهض صوت في إعلامنا المكتوب والمقروء والمسموع ليقول للعرب: لا تنخدعوا بالفبركات الإعلامية والدعايات المزورة كتلك التي روجت لها دعايات مغرضة على السوشل ميديا، من شاكلة الفوتوشوب الذي يحمل صورة زنوج يحملون شعارا يقول “لسنا عربا كي تقتلوننا ونسكت”.
لا تنساقوا وراء البروبغندا المضللة مثل التشكيك في الهولوكوست، والقول بأن اليهود هم الذين ابتدعوها، فذلك سينزع منكم حقوقكم المشروعة ويجعلكم في خانة معاداة السامية أيها العرب الساميون.