كلمة في الزحام

أنا والنرويج وهواك..

أنا والنرويج:

ما يُنشر في الصفحات الأخيرة للجرائد والمجلات، وحتى أغلفة الكتب، لا يأخذه الناس عادة، على محمل الجد، لكنهم يصرون على قراءته قبل غيره من عناوين الصفحة الأولى وما يأتي بعدها في الداخل، وذلك في نوع يشبه الإقبال على صحون المقيلات والمرطبات، قبل المباشرة في “التغميس” من الأطباق الدسمة.

وما يشجع على هذا السلوك هو تلك الجرائد التي تعمد على إقفال صفحاتها الداخلية فلا تجرأ على فتحها إلا بعد دفع ثمنها وكأنك تشتري علبة حظ محكمة الإغلاق.

لكن الآن، ومع تمدد الشبكة العنكبوتية وتدفق المعلومة التي تدق باب بيتك كل دقيقة مثل زائر ثقيل الظل، صار الأمر يشبه المثل الشعبي القائل ” يا خبر بفلوس بكرة بلاش”.

قهوة الصباح التي ترتشفها مع الصفحة الأخيرة للجريدة لا تتحمّل طول القراءة والتأويل، ولا تنظر بعين الجد حتى لأحوال الطقس، فما بالك بتولي الجيش زمام السلطة في ميانمار، بعد احتجاز الزعيمة المدنية أونج سان سوكي.

هذا إذا كنت مدمنا على مسك الورق، مثلي، وجلست القرفصاء، طويلا، كي تقرأ شيئا من كتاب لا تمتلك ثمنه لدى أحد الوراقين على قارعة الطريق، أما إذا كنت “كائنا إلكترونيا” فلن يتحرك فيك ساكن وأنت تسمع الإشارة الصوتية التي تفيد بأن سيول توقفت عن شراء النفط الإيراني بعد أن أعادت واشنطن فرض العقوبات وأكدت انسحابها من الاتفاق النووي.

ماذا يفيدني أن أقرأ خبرا مفاده أن دراسة علمية إسكندنافية، أكدت أن طول أصابع اليد يمكن أن يحدد طبيعة الوجبة التالية، أو خياراتنا في تناول الطعام. وأشارت الدراسة تحديدا إلى أن طول وحجم إصبعي السبابة والبنصر قد يحددان ما إذا كانت الوجبة التالية قد تكون سندويشة برغر أو سلطة؟

ليس لدينا برغر في حارتنا الشعبية، ولا نتناول السلطة إلا في الصيف.. وأصابعنا تشبه بعضها البعض ثم لا دخل لدينا في الأصابع.. إننا نهتم بالنقود.. وما أدراك ما النقود.

هل علي أن أشغل القارئ بتبليغه، وفقا للدراسة، التي أجريت في النرويج، أن الأشخاص الذين لديهم أصابع يد متقاربة الطول أكثر ميلا لاختيار شرائح اللحم والبرغر، وأن أولئك الذين لديهم أصابع سبابة أطول اختاروا الطعام “الأنثوي”؟.

كل أبناء حارتي الشعبية لا يفرقون بين السبابة والوسطى، ويأكلون اللحم كل عيد أضحى. كل أبناء حارتي يتمنون العيش في البلاد الأسكندنافية والزواج من إحدى ثرياتها، ولو في المنام.

القراءة من الصفحة الأخيرة تعني طرد الملل، أما الكتابة فيها فقد تعني ممارسة الملل إن كنت غير قادر على طرد الملل، لكن القراءة متعة، وكذلك الكتابة متعة لمن حلم بالنرويج والعيش بالنرويج وهو يتلذذ شرائح اللحم والسلطة، وينظر إلى طول أصابعه، وقصرها كل يوم.

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى