أيها المشارقة , أيها المغاربيون …لديّ فكرة..
أيها المشارقة , أيها المغاربيون …لديّ فكرة…. كلما حللت بلداً عربياً إلاّ وراودتني فكرة بسيطة، سهلة، ناجعة، ضرورية ولكنها مستحيلة التنفيذ في عالمنا العربي.
إن حالفني الحظ فسأعمل على تنفيذها خارج التربة العربية وأسعى الى تسريبها عبر الحدود كي يستفيد منها بنو قومي من الناطقين بالضاد ومن ساكنهم من الشعوب الأخرى.
اطمئنوا، أمنيتي ليست سياسية لا سمح الله ولا تمس بأمن وسلامة مجتمعاتنا بل تسهّل أمور حياتهم وتجعلهم أكثر تفاهماً وتوادداً وأقل ّتصادماً… إنها قضيّة لغويّة بحتة، فكيف نستهين باللغة التي نظن أنها أداة تواصل بين الشعوب والأفراد في حين أنها تزيد من الهوّة وتشعل الكوارث عبر التاريخ…. ألم يقطع حاجب أعجمي لسان امراة في مجلس الحجاج حين أمره الأخير بتلبية حاجتها من المال بعبارة (اقطع لسانها) أي: اجعلها تكفّ عن الطلب والتسوّل.
أمنيتي اذن وببساطة هي أن أضع كتيباً في الفوارق بين المصطلحات والمفردات والتعابير على امتداد الوطن العربي وتبيان معانيها الأصلية قبل أن يوضع الفاس بالراس أي أن تتكلم لغة العضلات بين الأشقاء حين تعجز لغة اللسان عن إيصال المعنى.
لا يدرك حجم المفارقات في الدلالات والمعاني داخل اللهجات العربية إلاّ من خبرها وتصادم معها وعانى منها.
المسألة قائمة وبوضوح داخل البلد الواحد فما بالك بين محيط وخليج، حيث تحاورت الأعراق واللغات وتزوج التاريخ بالجغرافيا.
تبدو، وللوهلة الأولى، فكرة وضع كتيب أو معجم في هذا الشأن أمراً سهل الحدوث والطباعة والانتشار طالما أنه لا يمس المحظورات الكبرى، ولكن… ما ترى سوف تكون محتويات هذا الكتيب المستحيل؟ فما سيقرأه ويلفظه المغاربي بثقة وحياد قد يغضب منه المشرقي أو يحمر وجهه خجلاً أمام أسرته وكذلك العكس، لأننا قوم بارعون في المواربة والاستعارات اللغوية فيما يخص المسألة الجنسية، ولو استخدمنا المصطلحات الطبية لصار الأمر مضحكاً وساذجاً (تخيلوا زوجين يتحاوران بهذه اللغة في المخدع وأثناء اللحظات الحميمة).
أثناء بداية إقامتي في دمشق منعني الحياء من تلفظ اسم أكلتي التونسية الشهيرة واستضافة أصدقائي السوريين فأضطرّني أحيانا للقول(سأعزمكم على طبخة تشبه “المغربيّة” لديكم ..!)
كما اضطر صديقي في الكويت إلى ارتداء قميصه دون كي لأنه لم يجد مرادفا لكلمة (مكوى)
أمّا صديقي الموريتاني فقد استشاط غضباً حين قال له رجل دمشقي (طوّل بالك يا زلمي ….والله انت أحلى زلمي)
زميلتي (فطيمة) المغربية عادت أدراجها في سيارتها من بيروت الى الشام باكية حين قال لها الجمركي على الحدود (افتحي الطبّون يا مدام) وزاد من هلعها حين قلت لها(إنّ أهل الشام يحبون الضيوف ويحوونهم.)
ـ ما زلت كتونسي أضحك في سرّي حين أتذكّر أن صديقي يسكن في عين (ترمه) وكيف استأت يوماً من صاحب بيته الشامي حين قال لي: (إن شاءالله ما منحترمك.. يا أستاذ!).
لولا الحياء العام الذي سوف يقف حاجزاً أمام نشر هذا المعجم العجيب لتماديت في ذكر بعض الامثلة والحوادث الطريفة التي عشتها شخصياً وكنت في أثنائها ضحية مصطلحات (لهجوية) ولغوية طالتني حتى في بيتي التونسي عندما أسقط في يدي حرجاً أثناء استقبال بعض الفنانين المشارقة وكانت أمي رحمها الله تنهر القطة بعبارة نابية لدى أهل المشرق ولكنّها عادية عندنا مثل كلمة (بس) وكيف طلبت من صديقي أن يضع الشاي في البراد (الابريق) فوضعه في التلاّجة.
جدير بالذكر أنّ بعض المفردات الفصيحة و(البريئة) قد انحرفت عن معانيها الاولى بفعل التغيرات الاجتماعية، فاللغة كائن حي على أي حال وتعدد اللهجات يساهم في تغذية اللغة الام، إذ أن علماء الأنتربولوجيا يدقون ناقوس الخطر ويعلنون موت ما يقارب العشر لغات كل عام فحمداً لله أن لغتنا ما زالت شابة بأدبها وشتائمها أيض.
المشكلة أن اللهجة ما زالت تعامل كبنت الجارية من طرف بعض المتخشبين الذين لا يعرفون من العربية غير رفع الفاعل ونصب المفعول.
القائمة تطول كالألسنة النابية … والأمل ما زال قائماً بوضع كتيب يعتمد كدليل سياحي للأشقاء العرب لعلّهم يوحّدون ألسنتهم وشتائمهم قبل كلمتهم رغم أنّ الشتيمة مشابهة وإن اختلفت المصطلحات.
قل لي من تشتم وكيف تشتم أقول لك من أنت.