الأصدقاء لا يحترفون السياسة
الأصدقاء لا يحترفون السياسة..صديقي ” أبو عبدو دجو” الليبي، المقيم المزمن في تونس، قرر ذات ليلة صاخبة أن يترشح للانتخابات الرئاسية في بلاده التي لم يغادر طعمها لسانه عبر أطباق “البازيل” و”المبكبك” التي يعدها لأصدقائه كل مساء في بيته الدافئ، وعلى أنغام موسيقى البلدين كجسر آسر من الحنين والشجن.
جمع كل الوثائق اللازمة وبياناته الانتخابية، ورسائله الموجهة إلى كل مكونات الشعب ثم استودعنا طالبا منا الدعاء، ولا شيء غير الدعاء.
ـ ماذا دهاك يا “أبو عبدو” هل جننت؟ افرض جدلا أنك نجحت في هذه الانتخابات العتيدة لا سمح الله.. هل تريد أن تحرمنا من رؤيتك إلا على شاشات التلفزيون، وتنصرف عنا إلى توقيع الاتفاقيات والمعاهدات، ومقارعة خصومك السياسيين؟
لا تقل لنا إنك سوف تستقبلنا، كلنا ـ على الرحبة والسعة ـ في مقرات إقامتك الرئاسية.. لا أشك في كرم ضيافتك والله، يا “دجو” يا ابن خالتي “ربح”، ولكن كيف ستتمكن من استضافة غالبية شعراء تونس وكتابها وفنانيها، صعاليكها ومشرديها.. هذا علاوة على معارفك في بلاد عربية أخرى، ومن شتى الملل والنحل والعائلات الفكرية والحساسيات السياسية كما كنت تفعل في بيتك الصاخب في تونس.
ارجع عن قرارك بحق ما لدينا من ذكريات غالية علينا، وبرحمة ابنك البكر الذي فقدته عقب فوضى أحداث ثورة 17فبراير 2011، نريد أن نكسبك ” زعيما ” للبهجة قبل نكد السياسة والسياسيين.
شرد خيالي بعيدا، وتخيلت أن “أبو عبدو” قد فعلها ثم قام بتعييني مع نفر من الندماء والأصدقاء، مستشارين مقربين منه، وكيف صرنا نسدل له النصائح المتضاربة في المصالح بأصوات متعالية كعادتنا، حتى جاء اليوم الذي طفح فيه الكيل واستشاط غضبا قائلا لنا وهو مقطّب الجبين “من أنتم؟”.. وحلت الكارثة.
غاب أبو عبدو أياما عن مواقع التواصل الاجتماعي، وظننت أنه فعلا، قد غادر إلى ليبيا ” ملتحقا بنداء الواجب” كما يقول أكثر المرشحين الذين يريدون أن يجربوا حظوظهم في الزعامة السياسية هذه الأيام.
صرت أحاول أن أقتفي أخباره على نشرات القنوات التلفزيونية المتابعة لسباق المرشحين للانتخابات الليبية، إلى أن أغلقت القوائم دون جدوى.
وما هي إلا بضعة أيام حتى التقيت صديقنا “أبو عبدو” في إحدى المحلات التي اعتدنا الجلوس إليها محاطا بنفس شلة الأصدقاء، وقد استوى على كرسيه مثل زعيم حقيقي.
اطمأنت عليه، وسألته عن غيبته الصغرى هذه. أجاب بأنه وحين شارف الحدود التونسية الليبية، طاب له المقام عند بعض الأصدقاء فعدل عن الفكرة بعد أن قام ببعض “المراجعات” التي لا بد منها.
هكذا هم أصدقائي الطيبون والشامخون، لا يخشون الحديث في السياسة، لكنهم يخافون ممارستها فيفقدون طيبتهم وأصدقاءهم وشموخهم.