كتاب الموقعكلمة في الزحام

الرياح ليست حرّة…

الرياح ليست حرّة… .. أعترف شخصيّاً بأنّي لست ملتزماً بأيّ تنظيم حزبي أو تيّار سياسيّ أو تعبيرة نقابيّة أو جمعياتيّة بعينها، وهذا ليس امتيازاً، بل خطأ يضاف إلى سجلّي الحافل بالهفوات المزاجيّة القاتلة … و”مثلب ” من مثالب الذين يعتقدون أنّ “النأي بالنفس ” من مناقب المعروفين باسم أصحاب الرأي الحر… والشكيمة العصيّة على التوجيه.
بعضهم يتفاخر بأنّه”حياديّ” … وكأنّه ينتظر وسام استحقاق سوف يحطّ على كتفه من جمعيّة غير موجودة …- في ذهنه على الأقل – على اعتبار أنّ من يقدّر ويمنح هذا الاستحقاق لا يوجد في قاموسه أصلاً …
غريب …. كيف أنتظر الاعتراف بمن لا يعترف بي ولا أعترف به أصلاً ؟… أليس هذا ضرباً من ضروب مسرح العبث .
أيها المثقف، أنا لست مستقلاّ – مستقل عن من ؟ –  ولست رئيس جمهورية طائفية حتى تقف على مسافة واحدة من الجميع …. لست “إلكتروناً “منفصلاً عن هذه الذرّة وتلك النواة….
أنت من هذه القاعدة وإن شذذت؛ من هذا الفصيل وإن كان لونك مختلفاً؛ من هذا السرب وإن غرّدت خارجه, ومن هذا الحقل وإن جاءت ثمارك غريبة النكهة والمذاق.
الكل يدور في فلك قضية واحدة وإن لم يعترف بجدواها. نقترب منها ونبتعد، نختلف لنأتلف، نتخاصم ولكنّنا لا ننفصل، إنه قدرنا أيها الإخوة الأعداء ….
قد لا يعي بعض المستهترين – أو ممّن أخذتهم العزّة بالإثم – استحالة الانفصال حتى في قوانين الفيزياء… و”كارثية” ذلك إن حصل بمفهوم الكيمياء النووية التخصيبيّة….. فما بالك بالنسيج الاجتماعي والثقافي والبشري عموماً….فاستووا يرحمكم الله خلف”إمام” اسمه الوطن …. وما أدراك ما الوطن الذي يكنّى بالمستقبل…. و”المستقبل يدوم طويلاً كما قال المفكّر الفرنسي “آلتو سير” في كتابه الذي يحمل نفس العنوان.
ليس في الأمر دعوة إلى التماهي الغبي والثغاء المتناغم خلف أفكار بالية تلقّن بالمهماز، إنما هو التنبيه للحفاظ على “ملك ” – بضم الميم وتسكين اللام وتنوين الكاف – نصونه كالرجال ولا نبكي عليه كأشباه الرجال وعقول ربّات الحجال حين تنتزعه منّا قوى التطرّف والظلاميّة ونحن منشغلون بالتعرفات.

كيف تكون حياديّاً في الوقت الذي ينتهك فيه عرضك، ومستقلاًّ عمّن هبّ لنجدتك … ورجل إطفاء يقوم – فقط بواجبه الوظيفي – حين يحترق بيته .

هذه “النصال التي تتكسّر على النصال” هي فوق خاصرتك وليس مجرّد بيت شعر قاله المتنبي ….هذه الرماح يقف خلفها رماة حاذقون ولا يمزحون .

هي الرياح ليست”حرّة” … إنها تسيّر المراكب وتعرف ماذا تريد … اسألوا السواعد التي تحاور الأشرعة وتلوذ بمراكب الأوطان المتهالكة نحو شواطئ الأمان التي يلهو عليها المثقفون ببناء قصورهم في “منأى ” عن العواصف .

 

29.09.2013

بوابة الشرق الاوسط الجديدة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى