كتاب الموقعكلمة في الزحام

ثقافة التفاصيل

ثقافة التفاصيل  .. ما حاجتك للـ (إيتيكيت)؟ إنّها لا تخصّ أمثالك من الفقراء، غريب أمرك، أنت تعرف كلّ تفاصيل البرجوازيّة ولا تمتلكها..!
– نعم سيّدي، أنا أعرف أكثر من طريقة – وفي أكثر من مناسبة- لعقد ربطة العنق ولا ألبسها، أفهم في أفخم أنواع السيجار وأتقن تقليمه بالمقصّ الدائري وإشعاله بورق الصنوبر وتدخينه مع المشروب المناسب مرتدياً بدلة ( السموكين) التي جعلت في الأصل لتمييز المدخّنين في الحفلات الايرلنديّة.. هل تعلم؟
أعرف أنّ المرأة يجب أن تسبقني في الدخول وأتقن بعض اللغات و نزع قبّعتي تحت السقوف، الوقوف والانحناء لسيّدة أرستقراطيّة وتقبيل ظاهر يدها إن هي نزعت كفّها.

نعم سيّدي أميّز بين الكافيار الروسي والكافيار الإيراني وبين(الأبرتيف) و (الدجستيف)، أتذوّق (السومو فيمي) وأهتدي إلى المشروب المناسب مع اللحم المناسب وأعرف ماذا أطلب من النادل قبل العشاء وبعد انتهائه، ولا مانع لدي من بعض (التانغو) أو (السالسا) أو حتى (السلو) بعد انتهاء الأكل. .

أختار الألوان الحارّة في الشتاء والباردة في الصيف، أفتح الهديّة أمام مهديها، أبتسم في اللحظات الحرجة وأختلق حكاية مسلّية في لحظات الملل ولا أحرج السيدات في أعمارهن ولا أسأل الرجال عن رواتبهم.
نعم سيّدي، أعرف كيف أخفي حزني في الأفراح، أظهره فقط في الأتراح وأكتم ضحكتي في المآتم، ألاعب الأطفال الغلاظ أمام آبائهم وأنصت إليهم … ولكن، من ينصت إلي؟ يبدو أنّ الأموال تصيب أهلها بالطرش أمّا الفقر فيصيب بالبحّة والسخرية من الذات. .

لدي رغبة في تعليم المرفّهين كيف يترفّهون، والمسؤولين كيف يسألون والأنيقين كيف يتأنّقون .. ولكن أينهم؟
حمداً للأقدار التي أفرغت جيبي من النقود وملأت رأسي بالأفكار. حمداً للرب الذي خلقني رجلا مولعا بالتفاصيل إلى حدّ الوله، هي تفاصيل وليست صغائر على كل حال … وهي التي قادتني للكتابة في المسرح… فن التفاصيل بامتياز والذي سافر بي إلى مختلف مدن العالم.

يقول بعض الذكوريين من المختفين وراء الجمل المنتفخة: إنّ التفاصيل – كالنميمة – من صفات النساء، فليكن… من منّا لم يأت من رحم امرأة، ومن منّا لم يتربّ في أحضان امرأة، ومن منّا لا يرى في حديثهنّ بشاشة، وفي قتيلهنّ شهيداً (على قول الشاعر) ثمّ أنّ النميمة لا تسمّى باسمها إلاّ إذا مورست في العلن ولقصد الإساءة .. من منّا لا يحبّ الاستماع إليها ومن منّا لا يقيّم الناس في داخله؟ ومن منّا يتّسع صدره لكلّ أسرار الناس.
التفاصيل تجعل العالم أجمل وأشهى وأغنى، تلهمنا الحكمة والتدبّر في خلق الله، إنّها الطريق الأمثل لفن المعرفة.

الثقافة ليست اكتساب المعلومة وإنّما كيفيّة النظر إليها والتصرّف فيها وإلاّ كان محرّك (غوغل) أهمّ مفكّر في العالم …. فعلاً، كلّما ضاقت الجيوب اتّسعت الأفكار.
شكراً لك أيّها الرب مرة أخرى على هذه الجيوب المثقوبة التي جعلتني أنظر من خلالها إلى ملكوتك العظيم.

 

05.09.2013

بوابة الشرق الاوسط الجديدة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى