ثقة زائدة
أيها القانطون من رحمة ربهم، كيف تأتون صلاة الاستسقاء برؤوس عارية؟
الثقة الزائدة في استجابة الله لكل دعوات البشر، مهما كانت نواياهم، تجعل المؤمن الجيد لا يقصد صلاة الاستسقاء إلا والشمسية الواقية من المطر في يده.
الأمر يتوقف إذن، على صدقيّة إيمان أولئك الذين يؤمّون صلوات الاستسقاء، وفي كل الديانات والمعتقدات، منذ أن زرع الإنسان الأرض ثم جلس يرفع يديه إلى السماء وينتظر الغيث النافع.
وبناءا على ما تقدم من ثقة زائدة في أولئك الذين يزعمون أن الله يستجيب لجميع دعواتهم، لا تستغرب تصريح مسؤول حكومي في إحدى محافظات الجنوب التونسي بضرورة تأجيل صلاة الاستسقاء حفاظا على محصول التمر الذي يتضرر من هطول المطر.
كما وردت أنباء تفيد بأن السلطات المحلية في كراتشي الباكستانية اعتقلت الرجل الذي أمّ صلاة الاستسقاء بعد السيول الجارفة والفيضانات التي أصابت البلاد، وحمّلته مسؤولية ما تسببت به دعواته من أضرار.
ومهما كان مدى صحة هذا الخبر الطريف الساخر، فإن الشرق، غالبا ما يوكل أمره إلى أقدار الله إلى حد التقاعس والاتكال، وذلك على طريقة المحارب الذي يغمض عينيه ويطلق النار قائلا “يا رب تجيبها في عينه”.
هذه السكينة الشرقية عبّر عنها ميخائيل نعيمة في قصيدته ” سقف بيتي حديد، ركن بيتي حجر، فاعصفي يا رياح وانتحب يا شجر. فإذا الليل طال والظلام انتشر، من سراج الضئيل أستمد البصر”.
كتب نعيمة هذه القصيدة تحت ثلوج روسيا القيصرية التي كان يدرس فيها اللاهوت.
اليوم، تتباهى روسيا بشتائها الدافئ أمام أوروبا التي يهددها برد قارص وظلام دامس، على خلفية الأزمة الحاصلة في حرب أوكرانيا وما سببته من انقطاع في التزود بالوقود والحبوب.
يحدث هذا دون أن يتوجه الأوروبيون بالدعاء من أجل أن يمر الشتاء دافئا دون ثلوج وأمطار فتزدحم دور العبادة عندئذ، بصلوات “الاستشماس” أي طلب الشمس على نفس طريقة صلوات الاستسقاء.
أما كان الأجدر بالمؤمن الحقيقي في شرقنا الحائر أن يواجه قسوة واقعه بالعمل والمثابرة، بدل التضرع بالدعوات، والتذرع بأمور واهية كالقول بأن غضب الله هو سبب ما نحن عليه من أوضاع صعبة.
لم يقم الأوكرانيون صلوات الاستسقاء حتى يستنبتوا هذا الكم الهائل من الحبوب فتكون بلادهم سلة العالم الغذائية، ولم يكثر الروس من الأدعية والاستخارة حتى يكتشفوا ما تسبح فوقه بلادهم من غاز وبترول.. ولم تكتظ دور العبادة في أوروبا بطالبي الدفء والرفق من أجل تمضية شتاء أقل بردا وأكثر شمسا.
قال الشافعي لامرأة تتضرع إلى الله كي يشفي بعيرها المصاب بالقروح: أضيفي إلى دعائك شيئا من القطران والدباغ.
ونهر عمر بن الخطاب رجلا يقضي نهاره في المسجد بقوله “السماء لا تمطر ذهبا”، فيا معشر المسلمين دعوا الله في عليائه ولا تشركوه في هزائمكم.