رتّلوا الكتاب ولم يقرؤوه…
رتّلوا الكتاب ولم يقرؤوه… (هل قرأنا القرآن) : هو النسخة العربية لآخر اصدارات المفكّر والمبدع التونسي المثير للجدل حيثما يحل: يوسف الصدّيقي ، وحملت توقيع المترجم الأكاديمي منذر ساسي.
عكف الرجل على دراسة وترجمة القرآن الكريم إلى اللغة الفرنسية زهاء عقود من الزمن ودرّسه للناطقين بلغة موليير في أرقى جامعات فرنسا وفق أحدث المناهج وأكثرها عمقاً وابتكاراً.
هضم ثقافات عديدة في مشارق الدنيا ومغاربها، حلّق عالياً ومنفرداً في سماء الفكر دون أن يحسب على أيّ سرب، لكنّ ذلك لم يزده إلاّ تواضعاً وحباً لبسطاء الناس واحتفاءً بالحياة كقيمة معرفيّة ووجوديّة .
(هل قرأنا القرآن): كتاب يصفع الضاحكين على ذقون الناس باسم الدين، يعرّي الجهلة ويفضح المتزمّتين والسطحيين والتكفيريين… والأكثر من ذلك كلّه، يأخذك في مغامرة معرفيّة مربكة، شاقّة، وغير محسوبة العواقب، وتحبس الأنفاس، لكنّها ممتعة وتنضح ألمعيّة بأفكار متدفّقة، تطرق أبواباً كنّا نظنّها غير موجودة وتفتح مسالك مدهشة وبعيدة عن الطرق المعبّدة سلفاً وسلفيّة في قراءة القرآن الكريم .
لا تستغرب بعد قراءة الكتاب إن قال لك يوسف الصدّيقي إنّ شرحه وتدريسه وقراءته الخاصة لسورة (النور) وحدها في جامعة السوربون الباريسية قد استغرق ثلاث سنوات بالتمام والكمال .
يكشف المؤلف في كتابه حقيقة الدلالات والأحكام الواردة في آيات كثيرة بالبرهان القاطع والحجج الدامغة مستعيناً بثقافة فقهيّة مدهشة تتحاور مع أعقد نظريات الفلسفة الحديثة والقديمة فيكشف بذلك زيف المدّعين من أصحاب الفتاوى الظلاميّة.
الأعجب من ذلك أنّ يوسف الصدّيقي قد وضع كتابه بلغة فرنسية رشيقة، لكنها في الوقت نفسه، دقيقة وحذرة وأمينة أمام مصطلحات قرآنية صعبة ومخيفة، ممّا يطرح السؤال في ذهن كل قارئ : لماذا لم يقم الكاتب نفسه بتعريب كتابه، وهو الممسك بناصية اللغة إلى حدّ الإدهاش ..!؟
تأتي الإجابة في مثل غرابة الاستغراب وهو أنّ النسخة الفرنسية قد حملت عنوان (لم نقرأ القرآن) وهي عبارة قد تكون صادمة ومستفزّة للذهنيّة العربية السائدة، ثمّ أنّه يحترم التخصّص كما يقول، (فالنجّار غير الحدّاد) على حدّ تعبيره.
هذا هو يوسف الصدّيقي، دقيق ومهنيّ في كلّ شيء، أمّا الأبعد من ذلك فهو مخاطب للفكر الغربي في عقر داره ومنبّه لأبناء ثقافته من خطورة الانزلاق نحو القراءات الجائرة والعمياء للمصحف الشريف الذي صار يرفع على أسنّة رماح التقتيل والفتنة …ويفسّر على أمزجة الجهلة وفقهاء الظلام.