عقيدة قاهرة لكل الأزمات
عقيدة قاهرة لكل الأزمات…
آخر تصريحات وتخريجات أحد فقهاء السلفية تقول “لسان حال فيروس كورونا يقول لنا أنه بإمكاننا العيش دون كرة القدم ومشاحناتها، وأنه يمكننا أن نتزوج دون حفل زفاف، وبتكاليف بسيطة“.
كل حدث ـ أي حدث ـ يمكن للسلفيين ومن لف لفهم من غلاة الإسلاميين، أن يمتطوه، ومن ثم الإدلاء بدلوهم في محاولة للقول بأن عقيدتهم عابرة لكل الأمكنة والأزمنة، وقاهرة لكل الأزمات.
هل خطر ببال واحد منا أن يقارب بين كمامة كورونا والنقاب أو البرقع في المجتمعات الإسلامية؟
نعم، حدث هذا وتلقفته جماعات إسلامية للقول الصريح والتأكيد بالحجة والبرهان أن هذه الكمامة الوقائية لم تكن إلا قدرا محتوما وتذكيرا إعجازيا لمن ” لا تتقين الله من نساء المسلمين، وخرجن سافرات دون برقع أو نقاب”.
اللجوء إلى السائل التطهيري المعروف ب “الجيل”، كان بدوره ذريعة وحجة لدى السلفيين للقول بأن التوضؤ، ولمدة خمس مرات أو أكثر في اليوم، كفيل بأن يقينا شر الأوبئة والفايروسات، ويبقينا أنقياء ومعافين دون سائر المخلوقات ” الكافرة” على هذه المعمورة.
ولأن الدجل والشعوذة يزيدان الطين بلّة حين يؤيده أهل الاختصاص، فإن أحد الأطباء المضللين بقناة سلفية تدعى “الرحمة” قال: إن منظمة الصحة العالمية، قالت بأن ترطيب الفم والأنف يحمي من فيروس كورونا، وأن هذا ما يفعله الوضوء 5 مرات يومياً، كما قال: “لولا الحرج لأوصت المنظمة بارتداء النقاب للرجال والنساء”، في إشارة إلى أنه يشبه الكمامة الطبية..
تحدث كل هذه التأويلات والقراءات، مضافة إليها شتى أنواع التفسيرات السلفية كالقول بأن كورونا منصوص عليها ومذكورة في الكتب والنصوص المقدسة، إلا أننا “قوم لا يفقهون ولا يتبصرون”.
كل كارثة لدى أصحاب الفكر السلفي والمتحجر، تصبح قدرا محتوما لمن لا يتقي الله، حسب زعمهم، فلو ما عصيان الله لما أمسينا على ما نحن عليه من أوبئة ومصائب، وحروب ومجاعات.
النساء غير المنقبات أو غير المتشحات بالبرقع، بعثت لهم الأقدار من يذكرهن بفائدة الاختفاء وراء برقع أو نقاب. الرجال الذين لا يتوضؤون، ذكرهم فايروس كورونا بضرورة الاحتياط والامتثال لما حث عليه ” السلف الصالح” في نظر هؤلاء الذين لا يفوتون فرصة إلا وقرنوها بطقوس الطاعة والعبادة.
كورونا لا تفتك إلا بغير المؤمنين وغير المسلمين في نظر هؤلاء المفسرين الجهابذة.. وإذا حاججتهم بأن الفايروس لا يفرق بين الأعراق والأديان، قالوا لك إن الجائحة لا تخطئ هدفها، وأنّ أمرا ما ” ذا جلل” قد حصل، وأدّى إلى ما لا تحمد عقباه.
قس على ذلك غي كل شيء لدى المقتنعين بأن الأعاصير والزلازل والأوبئة لا تحل إلا بمن غضب الرب عليهم نتيجة عصيانهم، أما من اتقى الله ـ وعلى الطريقة السلفية ، فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
هذه العقلية التبريرية الواهنة والهشة تستمر في نخر الفئات المستضعفة بالمجتمعات العربية والإسلامية، ولا يتوانى الكثير من رجال الدين عن تأييدها ومساندتها أو لا يكلفون أنفسهم عن دحرها ورفضها تحت ذرائع واهية وكثيرة.
” فايروس كورونا عقاب إلهي” هذا ما يتفوه خطباء وأئمة من أعلى منابرهم وعلى مرمى من أسماع مئات وآلاف البسطاء من ذوي إيمان العجائز والعقيدة الهشة.
يستنجد هؤلاء الأفاقون من المزايدين على كتاب الله، ويستشهدون بسور وآيات على شاكلة ” وأنزلنا عليهم غضبا منا” ثم يقنعون الفئات المهلهلة بأن ما يحدث من إصابات ووفيات، ليس إلا عقابا سلط علينا من السماء.
المشكلة أن سلطات الإشراف الإدارية والسياسية لا توقف هؤلاء المشعوذين والأفاقين عند حدهم، ولا تتخذ الإجراءات اللازمة لردعهم بل تتركهم يتمادون في غيهم معتبرة أن الأمر مجرد ” زيادة في الوعي والإرشاد”.. وهو في أسوأ الحالات لا يضر إن لم يكن نافعا.
جيش عرمرم من العلماء وأصحاب المراويل البيضاء، خلف المجاهر ومن داخل المخابر يقع الاستهتار بجهوده وبحوثه، في سبيل إرضاء أصحاب العقول المتخلفة لتصبح كورونا “قضاء وقدرا وامتحانا” للبشرية التي لم تستمع إلى خطاب السلفيين، ولم تتعظ لمواعظهم.
مئات وآلاف الضحايا في عالمنا العربي تدفن بل تمنع من الدفن في مقابر المسلمين أحيانا، لمجرد أنها أصيبت بهذا الفايروس الذي “سلطه الله عقابا على الذين كفروا ” في نظر هؤلاء المتزمتين من الذين خلت قلوبهم من الرحمة وعقولهم من الفهم والتبصر.
ومن أغرب فتاوى سادة الجهل والتخلف أنه وعندما ظهر الفيروس في الصين قبل أشهر، بدأت بعض وسائل الإعلام السلفية تتحدث بثقة لا يخالجها الشك، عن أن كورونا هو “انتقام من الله” ضد الصينيين، بعدما حاصروا قرابة مليون مسلم من أقلية الإيغور في إقليم شينجيانغ في شرق الصين، وأن الجزاء كان من جنس العمل، حيث اضطرت السلطات الصينية إلى محاصرة 18 مليون صيني خشية انتشار الفيروس.
الصمت إزاء هذه ” العربدة الفقهية” هو الجريمة التي يجب أن يعاقب عليها القانون في العالمين العربي والإسلامي لأن الخوف يجعل الإنسان هشا، ومن ثم يتجه نحو منزلقات خطيرة على سبيل تعلق الغريق بأي قشة.. وهنا تتربص بنا أبالسة الإرهاب.