قيس بن الملوح وتونس العامرية
بعض الماكرين من التونسيين يسمون رئيسهم ب “قيس بن الملوحقيس بن الملوح”.
تُرى، ما وجه الشبه بين الاثنين غير تلك اللغة الجزلة القادمة من القرن الرابع هجري، والتي يفتح التونسيون لأجلها المعاجم والقواميس كلما همّ “الإخشيدي” كما يلقبه معارضوه، بخطاب يوجهه إلى الرعيّة؟
ما الذي يجمع عاشقا متيما قادما من أدب صدر الإسلام، بحاكم يسوس دولة تدعي المدنية والاقتراب من العلمانية، وإن لم تدرك إليها سبيلا في ظل حكومة “حولاء”: عين على الحداثة وأخرى على القدامة.
وجدتها.. كل ما في الأمر هو أن الرئيس التونسي يزعم أن تونس “ليلى” التي يهيم بحبها.. وحينما اعترضت ليلى سبيل قيس وهو يهذي باسمها وينتحب، قالت له “ها أنا ذا ليلى يا قيس، افعل بي ما تود فعله أيها المتيم بحبه”. رد قيس ” دعيني يا ليلى.. إني مشغول عنك بحب ليلى”.
نعم، هكذا فعل قيس بتونس على ما يبدو.. وأتمنى أن أكون مخطئا إزاء هذا الرجل الصادق، والحق يقال.
ولطالما ارتبطت الرعونة برجال صادقين وبررة عاهدوا الله على قول الحق يا سيادة الرئيس.
اليوم، وقد بدت شوارع عاصمتنا نظيفة مثل طوكيو، وازدانت بأضواء وشعارات ترحب بضيوف “قمة اليابان والدول الأفريقية”، حتى تمنى التونسيون ديمومتها مرة واحدة وإلى الأبد، خلا شارع محمد الخامس في العاصمة التونسية من علم المغرب الشقيق.
غاب البلد الذي تحسب له أوروبا والقوى الاقتصادية العظمى ألف حساب ليحل محله ـ ولن يقدر ـ كرسي يجلس عليه شخص انفصالي.. وما أحوجنا إلى سادة الوحدة في أزمنة التشرذم.
هكذا، وبإيعاز من جينيرالات الفساد في الجارة الغربية، غاب أسود الأطلس وسادة أفريقيا وأئمتها عن قمة كان الأجدر بهم أن يشاركوا فيها. يتسيدونها، يقولون رأيهم فيها، ويفعلون فعلهم كاقتصاد يقفز مثل النمور.
غاب المغاربة ليفسحوا المجال للأغبياء والفاسدين وحمقى الانفصال في قصر المؤتمرات بشارع محمد الخامس، وقاعات مدينة الثقافة الشاذلي القليبي.. رجل الوفاق العربي وصديق الثقافة المغربية.
لماذا فعلت بنا هذا يا قيس؟ كيف لتونسي أن يستبدل اخضرار المغرب وزهوه بشياك صحراوي يطل منه جشع يُحسب على الجزائر، بلد المليون مبدع.
الفرنسيون وقفوا حائرين ومعتذرين ومرتبكين أمام عمق الجزائر، وأنت جاملت فاسديهم، وأفسدت صداقتنا ببلد الجابري والعروي وبن جلون وفاطمة مرنيسي ومحمد شكري، وجيل جلالة.
ما ذا فعلنا بك يا حادي العيس كي تأخذنا إلى طريق الضلال.. انظر إلى الأسفل.. لا تنريدك أن تطيل النظر إلى السقف المثقوب وتأخذنا إلى الأرض اليباب.
المغاربة أشقاؤنا يا هدهدا تاه باسم الوطنية.. نحن من تفخر أفريقيا بشمالها، وليس همج العنجهية السياسية، ومن لعنهم مبدعو الجزائر من أمثال كاتب ياسين، مالك حداد، الطاهر وطار، آسيا جبار، وأحلام مستغانمي.
أوجعتنا وأسأت إلينا حين غازلت بلاد الفرس على حساب أشقائنا في الخليج، واليوم تدخل يدك إلى الجحر مرة أخرى.. ونقول خلفك “معليش.. بكرة بيعقل”.
ما هذا يا قيس؟ فكر قليلا وغنّ عن ليلاك بتأن وهدوء.. إن خلفك شعبا ما زال يحبك فلا تغدر به أيها الملوّح بالصدق.. الصدق الذي يمكن أن يستهلك نفسه ويستنفذها.. انتبه يا بن الملوّح بالمحبة التي قد تغادرك يوما.
تونس تحبك يا من تدعي أنك مجنونها، لا تفسد شهوتها وتذكر ما قال ابن الملوّح ” تعلَقت ليلى وهي ذات تمائم ولم يبد للأتراب من ثديها حجم .. صغيرين نرعى البهم يا ليت أنّنا إلى اليوم لم نكبر، ولم تكبر البهم”.
نحن في الوطنية “بهائم ” يا قيس، فلا تجعلنا نكبر قبل الأوان.. شكرا سيدي الرئيس عل حسن الإنصات.