أفعال ماضية إلى حتفها….
أفعال ماضية إلى حتفها…… أحببنا بلاداً كما لم يشتمّها أحد…ومع ذلك، رجمونا بالشتائم و التخوينات وشتّى أنواع السلع الجديدة والوضيعة…. وفوضى الكلام.
كتبنا سلاحاً، لم يصبنا، ولم يصدأ، ابتدعنا رصاصاً لا يقتل ومعارك لا تدمّر .. ومع ذلك رمونا بالتحدّث ورشّوا فوقنا عطره القاتل.
قرأنا تاريخاً لا يقاوم وجغرافيا لا تساوم وحروفاً لا تياوم …… ومع ذلك أصابونا بالكرة الأرضيّة فوق رؤوسنا وقالوا: (ابحث عن غيرها…هلمّ للسباق فأنت حر).
بحثنا عن غيرهم وغيرنا فلم نجدنا، يقول الأقدمون: ( لا تبحث عمّا لا تريد البحث عنه ) … عفواً، هذا الكلام لم يقله الأقدمون… عفواً مرة أخرى، من هم الأقدمون؟ أليسوا نحن على بضع خطوات من الصبر والنسيان.. وبعد أن تشتعل ألسنتنا شيباً.
سمعنا فنّاً لا يفنى وحروبا تفني، سمعنا شجاراً فأسمعونا انتحاراً.
أبصرنا ولداناً يشيبون وملائكة يتأنسنون وذئاباً (يتحملنون)، ثعالب تتدجّن، نعاجاً (تتكبشن)، حشائش تتعمشق ونسوراً تتبرغث، سهاماً تتقوّس، ملائكة تتشيطن، أقارب يتغيّرون، جلاوزة يتسيّدون وأباطرة يتمسّحون ……. ومع ذلك نمضي كما تمضي الأفعال إلى أفعالها…… والمفاتيح إلى أقفالها.
لمسنا جلوداً بخشونة الحرير وأفكاراً بارتهانات القادمين وحقائق برائحة المندسّين ….. لم نلمس شيئاً، بل لامسونا ولم يعلنونا … مثل خيل في بطاقة سباق خاسرة.
اشتممنا روائح فاسدة في ممالك فاسدة حتى طالت أنوفنا صدقاً… على عكس (بينوكيو) في أسطورته (النابوليتانية).
كتبنا (ويا خسارة ما كتبنا)، لكنّ حبرنا كان أنقى من الماء والدموع وأبقى من شتيمة في أسواق عكاظ.
اقتربنا من الحقائق مثل من يأكل في نومه أو يكاد، لكنّ أمعاء الواقع لم تهضمها … مثل متديّن يصغي إلى شاعر…. خانتنا الجمل وسبقتنا قوافل الأعراب.
اقترفنا شعراً كثيراً ونساء أكثر ممّن تمنّينا… وممّا يجب …… لكنّ حبال العودة كانت تشبه تلك التي كان يتعمشق فوقها طرزان… لعلّها شجرة اللبلاب.
حبسنا في الزنازين الصغيرة وغرف الفئران والغرف المعاقبة للمتفوّقين .. لكنّ الحديث عنها كان أجمل من بيوت الطاعة وسفر العائدين إلى أوكارهم.
قلمي أين من عينيك ذيّاك البريق …… أين كل الذين قلت لهم (كونوا) فلم (يكونوا) إلاّ وجعاً.
وجهي، لم أعد أشاهدك في المرآة منذ أيام وبضعة (عبوسات)، أينك، أيها الذي يعرفني أكثر ممّا أعرفه.. عفواً، هل كنت أتحدّث عن المعرفة…؟!.
جنحنا إلى الصمت، سعينا إلى الابتعاد، هجرنا إلينا واشتقنا إلينا، يا دمنا، أيها المسافر فينا دون كريات حمراء ولا بيضاء … ولا بلازما…. ولا لون أحمر.
كبرنا في صمت، لم تنتبه إلينا السماء، ولا إلى خاصرات الأمهات والآباء، كبرنا مثل فضيحة على ألسنة الجيران … وصغرنا مثل (آيس كريم ) تحت لسان طفل.
نحن إذن، أفعال ماضية إلى حتفها وجمل راجعة من عزائها وأفكار لا تبارح محلّها.
13.11.2013