..أقليّة تنكرها حتى الأقليات
أقليّة تنكرها حتى الأقليات ..أعتذر من مثليي الجنس ذكوراً وإناثاً عن بعض الطرائف والنكات التي رويتها عنهم في بعض لحظات اللهو والممازحة…لكنّني أحترمهم لأنّ الروح تؤنّث وتذكّر في ذات الوقت ولا تعترف بمنطق الأقليّة أو الأغلبيّة…ثمّ أنّ أمرها عند ربها .
اختلفت في تصنيفهم الشرائع والمعتقدات والآراء والإيديولوجيات بين القبول والرفض، لكنهم موجودون وموجودات منذ بدء الخليقة … بل ومنهم من يقول أبعد من ذك.
لا نريد في العلم فلسفة ، خشية الدخلاء والمتفقّهين على أمر موغل في التعقيد كما هو موغل في البساطة، ذلك أنّ الجدل والمناظرات التي فتحتها بعض المنابر الإعلامية قد صبّت الزيت فوق النار فحمي الوطيس بين مؤيّد ومعارض، في حين أنّ المعنيين بالأمر يعيشون حياتهم بشكل عادي ـ كي لا أقول “طبيعي” ـ بل ويستغربون لماذا جعلنا منهم بالأصل موضوعاً ساخناً.
هذا في المجتمعات التي تحترم الشأن الشخصي، أمّا في عالمنا العربي والإسلامي فالموضوع يقترب من المحرّمات رغم أنّه نوقش و(مورس ) في تاريخنا القديم وبأكثر من دلو …حتى أنّ أحد الخلفاء قد أجاب أحدهم حين جاء يستفتيه بعبارة : “كن كيفما شئت.. المهم أن تكون مؤمناً صالحاً” .
يؤكّد المتخصّصون أن ّ نسبة مثليي الجنس تكاد تكون نفسها من حيث الاستعداد الهرموني والنفسي بمعزل عن الثقافة والتاريخ والجغرافيا، لكنّها تزيد أو تنقص في المجتمعات الأكثر كبتاً أو انفلاتاً على حدّ سواء… تماماً مثل حالات الإدمان والاكتئاب والعنف وغيرها.
دعيت مرّة إلى مهرجان مسرحي في بلجيكا، وكانت تسيطر على هيئته التنظيميّة نسبة لا بأس بها من المثليين الذكور والإناث، صادف أن ضحكت أنا وصديقي العربي على هيئة أحدهم وحركاته ، تفطّن إلينا واشتكانا : (لقد استغربنا من هيئته الشاذّة وبعض حركاته المخنّثة….غير الطبيعيّة يعني..)
سألت باستغراب :(وما مفهومك ل (الطبيعي) يا سيد ي؟!.).
لا أنكر أنّها قد أحرجتنا بسؤالها و(فوّتتنا بالحيط)، طلبنا منها مناداة الشخص الذي سخرنا من حركاته قصد الاعتذار فقالت لمساعدتها: نادي على زميلك (فلان)..كانت المفاجأة أنّ اسمه وكنيته عربيّة جدّاً، اعتذرنا من (فلان)، دعوناه إلى كأس فاعتذر لأنّه لا يشرب الخمر لاعتبارات دينيّة تربويّة ..( أخذنا وعطينا) معه قليلاً، حدّثنا أنّه طلب تأشيرة اللجوء الإنساني إلى أوروبا بسبب (مثليته) و المعاملة القاسية التي كان يتلقّاها في بلد المنشأ ثمّ أنّه جاء لإتمام دراسته في الفن الذي منعه محيطه العائلي من امتهانه.
لن أذكر محاسنهم ولا مثالبهم، ولن أبرّر لمثليي الجنس سلوكهم وطباعهم ، ولن أشرّعه مستشهداً بالرسام ” ليوناردو دافنتشي” أو السينمائي ” بازوليني” ، لكنّني لا أستطيع أن أقف ضدّهم ولا (خلفهم) …متى كسيتم الناس وقد ولدتهم أمّهاتهم عراة …فلا إكراه في الأكل أو الشرب أو الكلام أو الجنس كما لا إكراه في الدين.
يبدو أنّ مبالغة الغرب في تكريم مثليي الجنس هي نوع من إعادة الاعتبار إليهم بعد أن نكّلت بهم النازيّة العنصريّة مع المعوقين وبعض الأقليات الأخرى كاليهود والغجر، لكنّ الاعتراف بوجودهم لا ينبغي أن يجعلهم فوق الشبهات وخطّا أحمر لا يمكن تجاوزه .
أعرف أصدقاء رائعين من مثليي الجنس ومن ذوي الاحتياجات الخاصة وأحكي لهم النكات التي تروى عنهم فيضحكون، لكنّني لم أعاملهم يوما كأقليّة ، ذلك أنّي على يقين بأنّ كلّ فرد منّا يمثّل أقليّة، إن لم يكن مجموعة أقلّيات….رغم أنّ الكثير من مدّعي التسامح والتعايش يحاولون دائماً أن يكونوا ملكيين أكثر من الملك.
*كلمة ع البارد المستريح: جكارة في بوتين ومناصرة مزعومة لأوضاع المثليين في روسيا، بعث أو باما برياضيين من المثليين إلى الأولمبياد الشتوي …….لكنّ الاثنين قد تناسا بأنّ المكان الذي تقام فيه الألعاب كان مسرحا لمجزرة ضد القوقازيين من الشركس في الحقبة السوفيتية الغابرة …ومع ذلك لم يتحرّك العالم إلى رد الاعتبار أو حتى مجرّد إحياء لذكراهم..
17.02.2014