الدستور وما أدراك ما الدستور ..
يعرّف الدستور بأنه قانون القوانين وأعلى تشريع تحتكم إليه مؤسسات الدولة في اختيار نظامها السياسي والإداري و تنظيم علاقات الفرد والمجتمع والبلاد في الداخل والخارج عند كل كبيرة وصغيرة …وزهاء عقود طويلة من الزمن …إن لم تكن قرونا.
كل الدساتير “وضعيّة”بالضرورة وطبيعة الحال – وإن كان بعضها يدّعي الاستناد إلى الشرائع السماويّة – ,ذلك أنّها لا تقبل التأويل ولا تعدّد القراءات ولا الملل والنحل .
هي فوق الجميع ,لكنها لا تقدّس نفسها ولا تغلق أبوابها في وجه ضرورات التعديل والتجديد .
الدستور هو المرجعيّة الوحيدة التي يعود إليها الحاكم والمحكوم عند وقوع أيّ خلاف و حدوث أي فراغ أو أمر طارئ ,فلا يجوز التلاعب بنصوصه وتأويل فقراته إلاّ بعد عمليات معقّدة تنطلق منه ويشرف عليها لجان من أهل الاختصاص وأعلى السلطات وغالبا ما تمرّ باستفتاءات شعبيّة تراعى فيها النزاهة والشفافيّة .
أتمنّى أن لا أكون مجانبا للمفهوم المعروف والسائد في ماهيّة الدستور لدى رجال القانون والاختصاص, خصوصا وأنّي سعيت – قدر الإمكان – إلى محو (أميتي الحقوقيّة والقانونيّة)مستعينا بكتب و مستأنسا لاستشارات متعدّدة على اعتبار أنّ ما أريد قوله والتعليق عليه ليس أمرا هيّنا , بل هو (الدستور) وما أدراك ما الدستور الذي قامت لأجله وبسببه الحروب والكوارث وتقدّمت بفضله أمم وتراجعت لغيابه أو اعوجاجه أمم أخرى .
ها هو شعب مصر -أو جيشها تحديدا ودون حكم سياسي أو أخلاقي على طبيعة الانقلاب – يخلع حاكمه بحجّة استخفافه بالدستور الذي (سلقه) مع جماعته في أيام قصيرة وفصّله لخدمة مصالحه الفئوية الضيّقة , محاولا تكميم أفواه المعترضين بذريعة أنّه مستمدّ من (الشريعة): الورقة التي لم تعد رابحة هذه الأيام في أيادي من نصّبوا أنفسهم ناطقين باسم الله..
وهذا الشعب التونسي وقد نفذ صبره أمام جماعة ما يسمّى بالمجلس التأسيسي وهم يتثاءبون تحت قبّة البرلمان وقد شارفوا الثلاث سنوات ,يمتصّون دماء الفقراء برواتب خياليّة ,يغنمون بامتيازات مخمليّة تحت ذريعة أنهم يعدّون (مسوّدة) جديدة لدستور البلاد …..أما كان الأجدر والأوفر تسليم المهمّة إلى (شركة قانونية خاصة ) ضمن ما يعرف بعروض المناقصة ..!؟,علما أنّ دستور 59المعمول به منذ عهد بورقيبة أكثر “تقدّميّة” ممّا يناقش حاليّا .
أليس الأمر مخجلا في بلد مثل تونس عرف عنه أنه أوّل من اعتمد الدستور في افريقيا والعالم العربي منذ منتصف القرن التاسع عشر في عهد القائد والمصلح الاجتماعي خير الين باشا …أي قبل الولايات المتّحدة..!..ومنع العبوديّة قبل ظهور (براهام ليكولن).
بالمناسبة أريد أن أسوق معلومة قد تثير الاستغراب , وهو أنّ دستور الولايات المتّحدة لا يتجاوز حجمه الورقي الصفحتين ..وأنّ المملكة المتّحدة ليس لديها دستور مكتوب بل يعمل القضاء لديها وفق مبدأ العرف.
لكنّ النموذجين السابقين لا يمنعان حاجة شعوبنا وجيوشنا ” الموهوبة ” في الاجتهاد والتأويل والانقلاب على الحقائق إلى دساتير تفصيليّة واضحة مثل فاتورة في مطعم محترم ………..نحتاج إلى دساتير متقدّمة كي لا (تضيع الطاسة ) ويمسي العقد المبرم بين الحاكم والمحكوم هلاميّا , مطّاطا ومطواعا لكل من يريد شدّه إليه .
…ألم يقل فقهاء القانون – الذين أرجو أن لا أكون قد تعدّيت على اختصاصهم – :(العقد شريعة المتعاقدين)…أمّا المثل التونسي الشعبي فأجده أكثر وضوحا في قوله ” قالو يابيّاع بإيش تبيع ؟ قالو : كل شيئ بالحاضر ” …أي لا داعي لعبارة ” خليها ع الحساب ” ….حتى لا يأتي يوم الغضب والعقاب …ثمّ الانقلاب.
06.10.2013