المندسّون في الألبومات القديمة
ماذا لو عاد العرب ـ كل العرب ومن جاورهم من شعوب المنطقة ـ إلى الألبومات القديمة من صور الأبيض والأسود وألقوا عليها نظرة فاحصة مقارنين إياها بألوان اليوم في مختلف طرق الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية ………..
من الذي قد تنكّر للآخر؟ نحن أم آلة التصوير ؟ حاضرنا المثقل بشتى ضروب البؤس والتخلّف …أم الماضي الصريح صراحة الأبيض والأسود …والذي نعيناه في الخزائن والصور العتيقة .
ماض قريب كادت أن تتجاهله الذاكرة حتى بات وكأنّه يخصّ أناسا غيرنا، مسافرين وقد انفصلت بهم عربة قطار الزمن و توقفت في مشهد جميل وأنيق رافضة “الالتحاق بركب التخلّف ” نحو كهوف الماضي السحيق الذي شددنا الرحال إليه بمنتهى الحماسة مدجّجين بـ”ألوان” الحاضر العبوس.
ليس الأمر مجرّد “نوستالجيا ” غريزيّة تجعل من الذاكرة سلطة زجريّة تجبرك على العيش والركون في زواياها الدافئة هروباً من مواجهة الواقع وتعقيداته …أو في أفضل الحالات استراحة لطيفة لتذكّر الماضي ومن ثمّ معاودة السير نحو التقاط صور قد تعكّر صفوها التجاعيد، تشوّش الألوان على وضوحها وتسرق تقنيات ” الفوتو شوب” صدقيتها .
هكذا تنظر المجتمعات المتقدمة إلى الخلف بغضب ” حميد ” بغية تجاوزه نحو الأفضل ……..بينما ينظر أغلبنا إليه بـ ” أسف غاضب ” متمنياً استرجاعه من كاميرات التصوير .
نظرة واحدة إلى مقاعد الدراسة الابتدائية والثانوية والجامعية في بلدان عربية كثيرة هي كفيلة بالإجابة عن سؤال غياب الأناقة والجديّة والتفاني والاختلاط العفوي بين الجنسين دون عقد ومركبات وفتاوي ملغومة من أعداء العلم والمعرفة كما يحدث اليوم .
نظرة واحدة إلى رواد دور المسرح والسينما بملابسهم الأنيقة وابتساماتهم المهذبة وعطورهم الفاخرة التي تكاد تخرج من صمت الورق جديرة بأن تشي بتلك المرحلة التي يحتفي فيها الناس بالحياة .
هل هذه حقاً شوارع كابول وبغداد وحلب والقاهرة وتونس وطرابلس في تلك المرحلة التي كان من الأجدر بنا أن نتجاوزها ونضيف عليها في حاضرنا هذا .
ولكن………..لو دققنا النظر قليلاً لشاهدنا من بين تلك الجموع أناساً يعيشون اليوم بيننا وقد أطلقوا لحاهم …والرصاص على تلك المرحلة البهيجة وصاروا ينظرون إليها بـ”غضب من نوع آخر ” ………هل كانوا ” مندسّين ” في الألبومات القديمة و تلك الصور الأنيقة ؟…….أم هناك تزوير و خطأ ما في ” أحواض التحميض …….هذه الصور التي صارت ” حامضة ” فعلاً .
03.02.2014