على من تطلق مدافع رمضان !؟
على من تطلق مدافع رمضان !؟ اسمحوا لي- بداية وقبل كل شيء- أن أهنّئ غير المسلمين في عالمنا العربي بالشهر الفضيل وأشكرهم على نبلهم وتسامحهم .. وعدم جهر بعضهم بالأكل أو الشرب والتدخين أمام الصائمين…. وحتى أمام المتظاهرين بالصيام.
سكب لي جاري أبو إلياس صحناً من الكوسة المحشي قبيل انطلاق المدفع وجيء لي من بيت أم سلمان بصحن من اليبرق… وقال لي أبو جورج: (كل عام وأنت بخير…).
هذا أنتم يا أهل الشام، يا أيها الذين تفتحون قلوبكم وموائدكم وبيوتكم في وجه الغرباء وعابري السبيل…. عفواً,هل أنا عابر سبيل!؟
أحبكم مهما أساء بعضكم وأخطأ في التاريخ والجغرافيا.
هذا أنتم أيها الذين لا يتقنون الانقراض ويرفعون راية النخوة قبل الشوارب والطرابيش والرايات والسيوف … ويعلنون الشام عاصمة أبديّة للمحبّة قبل المسلسلات.
وعدت نفسي بأن يكون أخوال ابني رجالاً لا تلهيهم تجارة ولا يتفرّقون في الأرض إلاّ ليجتمعوا … وعدتهم بسباع لا تنجب إلاّ السباع.
صدق الوعد على ما أظن، وصار ولدي الأكبر أطول منّي قامة و طموحاً وعمراً –إن شاء الله-.
لكني أخشى عليه من المسلسلات وبعض أولاد الحارة و الحرام … بات يعتقد – وعلى الدوام- بأننا أحسن أمّة سوف تخرج للناس … وصار يوشك أن يكذّب ما يقرأه على الأنترنيت ويصدّق ما تقوله المسلسلات في هذا الشهر الذي ينبغي أن يصوم فيه الناس عن الكذب قبل الشراب والطعام.
عفواً أيها التلفزيون، إنّي أعتذر من (القعقاع)، فاتح وحارس البوّابة الشرقية، أعتذر من خالي طارق بن زياد: سيّد البوّابة الغربيّة..أعتذر من (عبد الرحمن الغافقي): مطوّب بلاط الشهداء والذي مات حالماً عند باب أوروبا، أعتذر من (أسد بن الفرات بن سنان): سليل أروع السباع والمياه والسلاح، ذاك الذي داهم جزيرة صقلية مثل حقيقة لا تقبل النقاش…أحترم كل سيوف الله المسلولة … لكني أنحني – وبكل إجلال- لكل الأيادي الممدودة نحو الحب والتسامح والسلام.
لماذا لا ننتصر إلاّ في هذا الشهر الكريم ..!؟- لا أقصد حرب رمضان/أكتوبر 73 أو بعض الغزوات التاريخية – إنما قصدت الانتصارات التلفزيونية كمحاولة للبحث عن متعة غائبة عبر الذاكرة، كأن تتخيّل بأنّك تعاشر أجمل بنات حواء بمجرّد غمضة من عينيك … تقتحم أحصن القلاع وتهزم أبسل الفرسان بمجرّد غمضة من عينيك … تسكت أبلغ الشعراء وتبطحهم أرضاً … بمجرّد نومك عن شواردها، تجعل أجمل النساء يجرحن أصابعهنّ بسكاكين المطابخ عند إطلالتك… كما حصل مع سورة الحسن: (يوسف) عليه السلام… بمجرّد غمضة من عينيك… وكبسة من الريموت كونترول.
لماذا يهرب الخيّال إلى الخيال حينما تجبره الأقدار على الترجّل … أو يكبو خيله في منعرجات التاريخ؟
لماذا نغضّ الطرف عمّا هو كائن ونستمتع استمناء بما يجب أن يكون ! لماذا قدّر لنا الاحتفال بالانتصار شهراً واحداً في العام … وأمام الشاشات… فقط لا غير !… ثّم نعود لاجترار الهزائم عند أوّل أسبوع من شهر شوّال.
قالوا عنّا بأنّنا ظاهرة صوتيّة والآن أصبحوا يقولون بأنّنا ظاهرة تلفزيّة..!.
ربّما كانت الحياة أجمل قبل التلفزيونات والمعايدات عبر الموبايل و قراءة أخبار الكوارث أسفل الشاشة.
ربما كّنّا أجمل حين كان يغازلنا الآخرون دون أن نضطرّ لمغازلة أنفسنا.
ربما كنّا أقوى حين لم نكن كذلك.
ربّما كنّا أكثر إيماناً حين حفرنا الآبار ولم نرفع راحاتنا استسقاءً وتضرّعاً للسماء.
*كلمة ع الريق:
أنا أنتظر هلالاً واحداً في الشام اسمه (إهلال الأمل) …….. طلبت دار الإفتاء في إحدى البلاد العربية من رعاياها التماس هلال رمضان مقابل مائة دولار لأوّل من يشاهده… جاءها مواطن (نصف صالح) وأقسم أنه قد شاهد عشر هلالات …